كتبت :نورهان حسام
إنها إجازة منتصف العام، ولكني سأقضيها في المنزل؛ عملي كمهندسةٍ معماريةٍ لا يسمح لي بالراحةِ إلا في أوقاتٍ نادرة.
سافرت أمي برفقة شقيقتي إلي أسوان لقضاء العطلة، وأصبحتُ وحدي برفقةِ والدي في المنزل. كان الطقسُ شديدَ الحرارةِ في ذلك اليوم، ترَجلتُ من سيارتي ودخلت مسرعةً للعقار الذي أسكنُه، دخلتُ المصعد إلى الدور التاسع حيث شقتي، ولكنَّ المصعد توقف فجأةً في الدور الرابع! انطفأت الأنوارُ، هواءٌ باردٌ لا أعلم من أين أخذَ يداعبُ شعري، ثم سمعت صوتًا ضعيفًا يهمسُ في أذني قائلًا: “خلِّي بالك”. بعدها عادت الأضواء إلي المصعد، وصعد إلى الدور التاسع. فتحتُ باب المصعد في رعبٍ أحاول استيعاب ما حدث توًّا، دخلت إلي الشقة، واستندتُ إلى الباب لأهدأ قليلاً. أغلقتُ جميع نوافذ المنزل وأسرعت إلى غرفتي. قمت بتشغيل جهاز التكييف واستلقيت على سريري، وما أن أغمضت عيني حتى سمعت دقاتٍ على باب الغرفة.. كاد قلبي يتوقف، وبصعوبةٍ بالغةٍ حاولت إقناع نفسي بأنها تهيؤات. دقائق وعادت الدقات على باب الغرفة مرةً أخرى. لكن هذه المرةُ لم تعد وحدها؛ فقد صاحبها صوتٌ ينادي: “افتحي، عاوزة أقولك حاجة.”
لحظاتٌ لا أعلم كيف مرت عليّ، وكأن الزمن توقف بي، هل ما أسمعه حقيقي؟
توقفت قدماي عن الحركة، وعيني أخذت وقع الاندهاش والرعب، فمي أصبح كالصبّار، والتصقت شفتاي ببعضها البعض، وكأن أحدهم قد وضع شريطًا لاصقًا عليهما. بيدٍ مرتعشةٍ حاولتُ أن أبحث عن هاتفي لكني لم أجده. بعدها سمعت صوته يرن بالخارج. تصببت عرقًا، هل يجب عليّ الخروج لإسكات هذا الهاتف اللعين؟، بدأت أقنع نفسي بالنهوض لأجب على الهاتف؛ لعل أحدهم يأتي وينقذني مما أنا فيه.
أمسكت بمقبض الباب، وقبل أن أستجمع قوتي لفتحه وجدت من قام بذلك! شعرتُ ببرودةٍ في جميع أوصالي، وتقطعت أنفاسي، وبصعوبةٍ دفعت الباب إلى الخارج. خرجت من الغرفة وبسرعة فائقة تجاوزت الممر الطويل الذي يفصلني عن الصالة، فوجدت جميع منافذ المنزل مفتوحة.
في حالة ذهولٍ أخذتُ أتنقل بعينيّ لأجد تفسيرًا منطقيًا لِما يحدث، ولكني لم أجد شيئًا سوى ورقةٍ مُلقاه على الأرض، التقطتُها ووجدت مكتوبًا عليها “الحاجة فايزة “!
دارت الدنيا بي، هل يعبث أحدهم معي؟، هل جاءت هذه الورقة من النافذة بالخطأ؟. توقفتُ عن التفكير للحظات عندما تذكرت هذا الاسم، فمنذ ثلاثة أسابيع سمعت حديثًا يدور بين أمي وحارس العقار يخبرها فيه بأن “الحاجة فايزة” التي كانت تسكن في الدور الرابع قد وجدوا جثتها في حوض الاستحمام الخاص بها، ولا أحد يعلم هل هذه شبهةٌ جنائيةٌ أم قضاء وقدر؟. وقتها علمتُ أن ما يحدث ليس صدفةً وليست تهيؤاتٍ أيضًا؛ يبدو أن أحدهم يريد أن يبلغني رسالةً ما.
أفقتُ من شرودي على صوت هاتف المنزل، رفعت سماعة الهاتف فجاءني صوتٌ غليظٌ يقول بنبرةٍ حادة: “سبيني اآخد اللي أنا عاوزه بدل ما تحصليها”، وأغلق الخط.
اتسعت عيناي من الرعب، هذا ليس حلم، هل يقوم أحدهم بتهديدي؟ ولماذا؟، أنا لا أعلم شيئًا عن هذه السيدة.
هل أخبر الشرطة؟ لا، سأنتظر قدوم أبي لأخبره بهذا الهراء. وأخيرًا وجدت هاتفي المحمول، تناولته بيدٍ مرتعشة،
رنَّ في يدي وظهر اسم أبي. قمت بالرد على المكالمة فوجدته يقول لي :” معلش حبيبتي أنا مش جي النهاردة
مضطر أسافر اسماعيلية عشان عمي توفى ولازم أحضر الدفنة، خلي بالك من نفسك” وأغلق الخط سريعًا، لم يعطني
فرصة الرد. ماذا سأفعل وحدي؟، حاولت الاتصال بأبي مرةً آخرى ولكنه لم يُجِب.
توقف عقلي عن التفكير، مرت ساعاتٌ وأنا أجلس على الأريكة في غرفة الجلوس، اقتربت الشمس على المغيب
وأنا في حالة لا يرثى لها، كنت على درجةٍ كبيرةٍ من الإعياء، مالت رأسي بدون وعي على الأريكة وذهبت في سباتٍ عميق.
ورأيتها في الحلم ممتدةً في حوض الاستحمام، تلوَّن وجهها باللون الأزرقِ، وعيناها جاحظتان في حمرةٍ مرعبة، وشعرها الأبيض في حالةٍ فوضاوية، وقالت وعيناها في عيني: “خلي بالك من حاجتي”.
استيقظت من نومي في فزع وأطلقت صرخةً مدوية من هول ما رأيت، لم يسبق لي أن أرى ميتًا من قبل، فيا لسخرية القدر الذي جعلني أرى قتيلا!
كنتُ كالمحمومة لا أدري ما يحدث حولي، قررت أن أستحمَّ لأفيق وأحاول التفكير بشكلٍ جِديّ، دخلتُ دورة المياة
وقمت بإغلاق الباب بالقفل من الداخل، فتحت صنبور المياة و دخلت تحت المياة الجارية وتركته ينزل على وجهي
وجسدي لعلي أفيق، ظللت هكذا حتى رأيت مقبض الباب يتحرك ببطئ، يحاول أحدهم فتح الباب، أغلقت المياه بسرعة ومسحت عيناي بيدي من بقايا المياة لكي أتمكن من الرؤية بوضوح. فوجدت مقبض الباب يتحرك بقوةٍ ثم توقف عندما رنَّ جرس الشقة وسمعت رجل النظافة يصرخ: “زباااالة”. أخذت المِنشفة وقمت بلفها حول جسدي وفتحت قفل الباب و أدرت المقبض. خرجت فوجدت باب غرفة والدي مفتوح، دخلت مسرعةً لعل والدي قد عاد، فوجدت الغرفة في حالةٍ فوضاويةٍ؛ مرتبة السرير ملقاه على الأرض، وأدراج الدولاب متناثرةٌ هنا وهناك، وكذلك جميع ملابس أمي وأبي. نافذة الغرفة مفتوحةً على مصرعيها، ذهبت إليها مسرعةً ونظرت لعلي أجدُ من كان هنا ولكني لم أرَ شيئًا غير حركة الشارع الطبيعية. نظرتُ حولي وتأكدت أنني لم أكن بمفردي في المنزل. خرجت إلي الصالة وقررت أن أطلب حارس العقار ليساعدني، سمعت حركة بالقرب من باب المنزل ووجدت ورقة تدخل من تحت عقب الباب، فذهبت مسرعة إلي الباب ونظرت من “العين السحرية” فلم أجد أحدًا، أخذت الورقة وقرأت ما بها: ” أمانة الحاجة فايزة تكون قدام باب الشقة بعد ساعة”، كان الخط سيئ؛ يبدو وكأن أحدهم كتبها على عجلةٍ حتى لا يراه أحد.
أغلقت الورقة وتساءلت ما هي أمانة الحاجة فايزة؟ ومن هذا الذي يلاحقني؟، ولماذا يعتقد أن هذه الأمانة عندي أنا بالذات؟
هاتفت حارس العقار على الجهاز الخاص بالعقار (الانتركم) وصرخت أناديه: ” عم محروس، عم محرووس” ولكنه لم يجب.
كانت الساعة السابعة والنصف مساءً، مر نصف الوقت الذي حدده لي هذا المجهول، تملك الخوف مني ولم أستطيع أن أميز ما يحدث حولي بالفعل، تخيلت نفسي بطلة في إحدى أفلام الرعب الأجنبية، وحاولت أن أفكر من الممكن أن تكون هذه الأمانة؛ ورقة، أو صندوق صغير به أشياء هامة؛ لأنه يبحث عنه في الدولاب وتحت السرير، جاءت إليَّ فكرة أن أحضر إحدى صناديق أمي التي أحتفظ بها وأضعها فارغةً أمام باب الشقة، وأراقب من سيأتي ويأخذ هذه “الأمانة”. بالفعل قمت بوضع الصندوق أمام باب الشقة، ودقت الساعة الثامنة. وقفت أنظرمن العدسة السحرية لأرى هذا المجهول ولكن لم يأت أحد ولم أسمع صوت، ولكني شعرت بحرارة من خلفي وقبل أن أستدير لأكتشف ما مصدرها، وجدت من يمسك بشعري بقوة ويقع بي على الأرض وقال بصوته المخيف: ” كنت عارف أنك هتعملي فيها ذكية”، وأخذ يجرني على الأرض من الصالة إلي الطرقة حتى وصل بي إلي دورة المياة، ثم رفعني وألقى بي في حوض الاستحمام، فتمكنت من رؤيته. كان شاب عريض البنية، أسمر، طويل، يرتدي تيشرت أسود وبنطال جينز، في أصبعه خاتم فضة كبير وعلى رقبته سلسلة، شعره كثيف، ينظر إليّ بقلبٍ ميت ويمسك في يديه سلاحًا أبيضًا وقال: “انطقي فين الأمانة بتاعة الحاجة فايزة لأقتلك زيها”. بصوتٍ ضعيفٍ قلت: “معرفش”
أمسك برقبتي وظل يضغط بقوة كدت أختنق، وكان يصرخ: “أمال مين اللي يعرف..هي قالت أنها عندك”، وبعدها فقدت الوعي.
لا أعلم كم مر من الوقت ولكني استيقظت لأجد نفسي على سرير أبيض في غرفة صغيرة بإحدى المستشفيات، ووجدت بجانبي والدي وجارةً لنا في العمارة. بدأت في البكاء فأخذني والدي بين ذراعيه وقال لي: ” خلاص متخافيش..البوليس
قبض عليه”. وسرد لي أبي قصة هذا المجهول؛ فهو ابن زوج الحاجة فايزة. شابٌ مستهتر، وكان يعيش بعيدًا عن والده، وعندما علم بوفاته ذهب إلي الحاجة فايزة ليطالب بحقه الشرعي، ولكنها افصحت له عن وصية والده وأنه لم يترك له أي شيئ. حتى ذهب إليها في أحد الأيام ليأخذ منها الأوراق الخاصة بملكية والده لأرض الفيوم، ليثبت حقه في الميراث، لأنه ابنه الوحيد؛ فرفضت وقالت له: أذهب للمحامي. غضب الشاب وتشاجر معها وهم بقتلها حتى اعترفت له قبل موتها بأنها تركت الأوراق عند جارتها في الدور التاسع، وبالفعل أخذت أمي هذه الأوراق ووضعتها في حسابها في البنك وعندما هجم هذا الشاب عليّ، سمعت جارتي صوته وقامت بإحضار الشرطة.
تم
الله يهديها الحاجة فايزة سيبت مفاصلنا
ههههههههههههه
ممتعة ومشوقة فعلا دام الإبداع وعلوتِ وانشهرتِ 💙💙