كتبت/ سالي جابر
إنه الواقع الأليم الذي يأبى أن يمر بسلام، يجعلنا نرتطم بالأمل ونسعد قليلًا ثم يَحول بيننا وبين السعادة، فننكسر ثم نحاول ونقف مجددًا، نعيش فترات يتخللها الألم، والأمل، والانتصارات؛ لكن لم تكن تلك- الانتصارات- دائمًا مفرحة وكأنها خيبات، تغفو داخل القلب، تنام مع ضوء القمر وتصحو على نسمات الشمس الرقيقة، وكأنها تحدثنا أن اللذة دائمًا تولد من رحم الألم، رُبما ذكر (مارك مانسون) أن السعادة مشكلة، حقًا: فنحن نعيش الحلم ونتأهبه ونحاول جاهدين تحقيقه إلى أن نصل إليه وبعد كل هذه المعاناة ننجح ونشعر بنشوة السعادة، ثم نجهز حلم أخر نحزن من أجله، نتعب ونجاهد ونحاول تحقيقه، وبالفعل ننتصر على متاعبنا ونحققه، ونجد أن أكثر ما يسبب لنا الألم هو ما يُشعرنا بالسعادة، إننا نتنفس الصعداء خلف كل انتصار، وقبل كل خيبة، فلابد من وجود مشكلات نصطدم بها ونحاول حلها، إن الخسارة والفشل قد تجعلنا نعتزل العالم الخارجي ونتوحد مع ذاتنا الداخلية لنفكر في مهرب صحي، و مخرج جيد لهذه العقبة، وبهذا نتجنب الألم التالي لمشكلة ثانية،فقد ذكر ( مانسون) أن “ليس حل إحدى تلك المشكلات إلا بداية للمشكلة التي تليها” وأن “الخلطة السحرية كامنة في حل تلك المشاكل، لا في عدم وجود مشاكل في حياتك” .
وعليك الآن أن تسأل نفسك ماذا بعد هذا الألم؟!
الألم يدفعنا إلى الأمام والتطور وإيجاد حلول لمحاولة الوصول إلى الراحة الداخلية؛ بينما هناك من يعيشون دور الضحية ويلجأون دائمًا إلى شماعة الظروف يعلقون عليها تقاعسهم عن البحث عن حلول لتلك المشكلات، ربما يستمعون منك إلى الحل، لكن لا يستطيعون تطبيقه، فهل أنت ممن يجدون لذة بعد الألم؟!
عندما تفكر في إجابة لهذا السؤال، ومحاولة تداعي الذكريات المفرحة، تجد نفسك تخطيت أمور كثيرة عانيتها بشدة، إلا أنك شعرت بلذة السعادة بعد انتهائها وكأنه لم يحدث ألم، وقمت بكامل وعيك بالبحث عن ألم جديد للحصول على لذة أكثر من خلال تجربة حياة جديدة، أو الحصول على حلم جديد.
تخيل كم مرة عانيت في عمل وقررت الانسحاب منه لإنه يسبب لك التوتر والألم، وعندما نجح فرحت به ومعه، فدائمًا ندور في عجلة الحياة لنحصل على المتعة وهذه هي طبيعة النفس البشرية حيث قال الرافعي” ترفعنا الهموم والآلام، لأن عواطف الحزن والشقاء لا تكون إلا من سمو، وهي لابد أن تكون لأنها وحدها الحارسة فينا لإنسانيتنا”
ويبقى سؤال هام بعد اعترافك أمام نفسك بأن الألم واللذة وجهان لعملة واحدة… ما الألم الذي تود أن تعيشه؟!
لكل سعادة مشكلة، ولكل لذة ألم، ونحن نسير في طريق التحديات لنصل إلى طريق للسعادة الذي يقاطعه طريق الألم.
ربما تكون سعادتك في شراء بيت جديد؛ فيكون الألم في كيفية وجود المال، وكيفية البحث عن بيت جيد.أو تكون سعادتك في خسارة بعض الوزن، فيكون الألم في تجنبك الأطعمة التي تحبها وحُرمت منها .وهكذا، ولأن لكل شخص منا طرق في بحثه عن السعادة، فلكلٍ منا طريق ألم يختاره ويسير فيه.
أما عن تعريفات السعادة؛ فهي مختلفة، وعندما تسأل أي شخص عما تمثل له السعادة فيعرفها من وجهة نظره هو، وللفلاسفة رأي في تعريفها، فيعرفها الفيلسوف سقراط بأنها” نابعة من النجاح الداخلي الذي يشعر به الشخص، فهي لا تأتي كهدايا أو كمكافآت من الخارج”
ومن أهم أقواله :”سر السعادة ليس في السعي للحصول على المزيد؛ إنما بتنمية قدراتك للاستمتاع بالقليل”
أما عن “كونفوشيوس” فيري ” السعادة حالة عقلية تمنحنا الشعور بأننا قمنا بإنجاز أمرٍ ما، وهي من الأمور التي تستنسخ نفسها كلما أوجدنا مزيدًا من الأسباب لوجودها”
وقال جون ستيوت ميل ” لقد تعلمت البحث عن سعادتي بالحد من رغباتي، لا محاولة إرضائها” فهو يري أن السعادة هي استخدام الأمور من أجل هدف محدد.
أما أفلاطون فقال” الرجل الذي يجعل كل شيء يؤدي إلى السعادة يرتبط بشخصه لا بالآخرين يملك أفضل خطة ممكنة لحياة سعيدة”
أما “هاري ديفيد ثورو” يرى أن “السعادة كالفراشة كلما لاحقتها تملصت منك، لكن إن منحت اهتمامك لأمور أخرى ستجدها تحط بهدوء على كتفيك”
وبهذا نجد أن لكل شخص وجهة نظر خاصة به لتحقيق سعادته، فالبعض يراها في اللذة والمنفعة من شىء، والأخرى يراها في البعد عن الملذات، وهناك من يجدها عندما لا يبحث عنها؛ لكنها حقًا توجد بداخلك أنت في جوانب رضاك، في نظرتك الإيجابية إلى ذاتك بعيوبها ومميزاتها.
هل هناك قواعد للحصول على السعادة؟
نعم؛ عندما تركز على تطوير نفسك ومهاراتك، وأن تتخذ قرارًا واعيًا لتكون سعيدًا. السعادة أحيانًا قد تكون شعورا مؤقتا – هل حدث معك هذا من قبل؟- غالبًا تكون الإجابة بالإيجاب. عندما تمنيت حصولك على مجموع جيد في الثانوية تخيلت أنك تسبح في الفضاء فرحًا بذلك؛ لكن ما حدث هو فرحة مؤقتة تنتهي بانتهاء الموقف، وعلى هذا فإن السعادة تأتي بممارسة الامتنان.
وعليك التوقف عن التمسك بالماضي بلحظاته القاسية، عليك فقط الاعتراف بالذكريات الماضية والتعلم منها، وأن تتخلص من فراغك؛ فإن أخطر حالات الذهن أن يكون فارغًا حيث أنه يسحب لك ملفات الماضي والحاضر والمستقبل،فلا يحدث سوى أنك تُوقع نفسك في حرب ضَروس، وانظر للأمور بعين الإيجابية كما قال إيليا أبو ماضى” كن جميلًا ترى الوجود جميلا”
ولا تستعجل الأمور؛ افعل ما بوسعك عمله وانتظر؛ فقد قال – تعالى-” إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا”.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية