بقلم/ شروق صالح
«أين أنا؟»
سؤال شغل تفكيري فور تفتيح أعيني الناعسة، اعترتني الصدمة عندما وجدتني مكبلة بالحبال.
حاولت استطلاع الأمر لكن باء بالفشل؛ فالمكان شديد الظلمة، تفوح منه رائحة كريهة لا أقوى على تحملها.
اسمع وط الخفافيش يملأ أرجاء المكان؛ فأغمضت عيني لعلي أبدأ بتذكر ما حدث.
بدأ الأمر عندما هرولت بكل ما أوتيت من قوة محتمية داخل هذا الكهف، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟
أذكر فور دخولي الكهف كانت الشموع مضاءة على جانبيه، والخفافيش تزين سقفه محتميةً من ضوئها لكني لم أشعر بالخوف بل تابعت المسير إلى الداخل؛ فجأة بدأ الظلام بالإنتشار شيئاً فشيئاً حتى تلون كل شيء باللون الأسود.
كلمات خرجت من بين شفاه هذه الفتاة التي قاطعها صوت غليظ قائلاً:
-مرحباً بك في وكري.
كانت تنصت لحديثه وعيناها تتلفت يميناً ويساراً لتقاطعه:
-ماذا تريد مني ولما قيدتني بالحبال؟!
ببرود رد:
-أنا لا أريد منك شيء ولكنك أنتِ من أتيتي إليّ بقدميك هاتين وتسللتي لمنزلي لذا تستحقين العقاب.
بصراخ ردت:
-أنا لم أتي إليك بل أتيت لأختبئ هنا ولم أعلم أنه لأحد، أظهر نفسك ودعنا نتحدث.
«أجيبيني أولا مما تختبئين؟»
تغيرت ملامحها للحزن قائلة بعدما تنهدت بعمق:
-من غدر الزمان، من أحزان أثقلت كاهلي، من أوجاع لم يستطع الزمن مداواتها لأكتشف أكبرها اليوم، أتعرف يا هذا، قبل دخولي إلى هنا تعرضت لأكبر صدمة في حياتي..
لقد اكتشفت بأنني عشت كذبة كبيرة..
ظننتني مهمة لدى أحدهم، حتى أنني كنت لا أدخر جهداً في إسعاده وفعل ما يرغب به، كان بالنسبة لي كل حياتي وفجأة اكتشفت بأنه كان يستغلني ويستغل حبي له، لم أستطع تصديق ما سمعته وهو يثرثر مع أصدقائه ويضحك من أعماق قلبه.
كيف استطاع خداعي لسنوات؟ لم أجد نفسي إلا وأنا راكضة
إلى أن شاهدت كهفك هذا؛ فدخلته وهكذا قدمت إلى هنا، لكن لا أذكر ماذا حدث بعد ذلك؟!
بدأ بالظهور تدريجياً من بين الظلام وحلقت الخفافيش؛ لتزين السقف بعدما أشعل ضوء الشموع…
فتشاهد أمامها شابًا -يبدو في أواخر العقد العشرين- ذا بشرة ناصعة البياض وشعره بلون الفحم، مرتديا رداء أسود يطير خلف ظهره قائلاً:
-إن أعطيتني ما أريد سأهديكي سلاحاً تستطيعين من خلاله الفتك بذلك المخادع بعدها سأخفي جميع ذكرياتك السيئة من رأسك، ما رأيك بهذه الصفقه؟
أطلقت ضحكات متقطعة ثم أردفت قائلة:
-آسفة لقد تلفت أعصابي، أخبرني بأي قوة ستهديني؟
«انظري إليّ جيدا هل أبدو لك بشرا؟»
أمعنت النظر إليه لتجده يفتح فمه وتلمع أنيابه المدببة من شدة بياضها ثم فرقع أصبعه؛ ليأتي إليه بعضاً من الخفافيش حاملة كأس به سائل بلون الدماء.
اتسعت عينيها وشهقت قائلة:
-هل أنت مصاص دماء؟!
ابتسم بطرف فمه -وهو يرتشف كأسه- قائلا:
-بكل تأكيد
صمتت وداخلها يعج بالحديث: «سوف يمتص دمائي حتى الموت، ماذا أفعل؟ إنني مقيدة وضعيفة بلا حيلة، هربت من ندل أحببته لمجنون متعطشاً للدماء البشرية!»
قاطعها قائلاً:
-أعلم فيما تفكرين لكني لا أحتاج منك سوى دمائك وفور أخذي إياها سأمنحك حياة جديدة بلا ذكريات مؤلمة.
بسخرية قالت:
-ما الذي يدفعني للوثوق بك؟
ابتسم بخبث:
-ما من سبب سوى أنني المتحكم في المكان هنا.
تنهدت قائلة:
-يقال بأن مصاصي الدماء لا يستطيعون التوقف في الوقت المناسب مما يجعلنا ضحايا لهم في آخر المطاف، وهذا ما ستفعله بي.
دعني أمنحك سراً جميعنا نتغافل عنه: إن الحياة تتكون من خليط ممتزج بين ذكريات تعيسة مؤلمة وذكريات غاية في السعادة فتصور لو أن الحياة بأكملها أفراح حينها بلا أدنى شك ستشعر بالملل الرتيب، لا أنكر أنني للحظات تملكني اليأس والحزن وهو ما أتى بي إلى هنا ولكن لا يجب إنكار الحقيقة مهما حدث لذا افعل ما يحلو لك..
وما إن انتهت من الجملة حتى ركض إليها بسرعة البرق ودب أنيابه داخل عنقها وبدأ باحتساء دمائها والسعادة تعتريه..
مرت مدة وقد أصبحت جثة هامدة وتحول جسدها للون الأبيض الباهت وظهر جزء من عظامها، مسح فمه بيده قائلاً:
-أول ضحية لي لم تكن بغباء باقي الضحايا وليس هذا فحسب بل كانت فيلسوفة من نوع خاص!
ثم أطلق ضحكاته بينما يختفي داخل الكهف..