بقلم الأستاذ الدكتور _ عادل خلف عبدالعزيز القليعي استاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
لعل الذي سيقرأ العنوان لأول وهلة سيواجهني بسؤال وسارد عليه بما يدحض المقولة الخاطئة الجواب* يبان من عنوانه*.
هذا السؤال هو هل اقتصر دور حضارات الشرق القديم في تأثيرهم علي الفكر اليوناني في مجال الفكر الأخلاقي فقط؟!
أجيب علي هذا السؤال وأقول،بمنتهي الموضوعية ودون أدني تعصب لحضاراتنا الشرقية، لم يكون التأثير مقصورا علي الأخلاق فقط ويشهد بذلك بعض المستشرقين المنصفين، من أن حضارات الشرق القديم وعلي وجه الخصوص الحضارة المصرية القديمة كان لها دور فاعل ومقوم رئيس في بناء الحضارة اليونانية سواء في الجوانب النظرية أو الجوانب العملية.
كذلك في النواحي السياسية.
ودليلي علي ذلك، زيارات العديد من أئمة الفكر بشتي مناحيه لمصر ، ففي المجال السياسي زيارة صولون المشرع السياسي الاثيني، واستفادته من قوانين حمورابي، وكذلك زيارة فيثاغورث وأخذه فكرة وحدانية الاله، وفكرة التناغم والهرمونية.
ثم زيارة افلاطون،ومن قبله سقراط،انظروا معي لعلم الحساب والهندسة والفلك ومعرفة فصول العام ومواسم الزراعة والحصاد، ألم يتحدث عن ذلك القدماء المصريين ، انظروا الي بناء الأهرامات، انظروا الي فن التحنيط،انظروا الي علم الاصباغ والكيمياء وان كلمة كيمي الأرض السوداء الخصبة ارض مصر.
هذا بالنسبة لبعض الجوانب العملية، اما الجوانب النظرية فكرة التوحيد، وفكرة الخلود خلود النفس والبعث ودفن اغراض الموتي معهم في قبورهم اعتقادا منهم بحياة أخري.
إذن للحضارة المصرية دور فاعل في بناء الفكر اليوناني نظريا وعمليا، بما يدحض الفرية والشبهة التي كان يتغني بها بعض المستشرقين وأن الفكر الفلسفي خلق يوناني
عبقري أصيل، وما الشرقي الا ناقل ومقلد،شهد بذلك بعض المستشرقين المنصفين أمثال زيغريد هونكه ،وكذلك وول ديورانت وغيرهما.
وسنقف ونتصدي بكل ما أوتينا من حجة عقلية ودليل دامغ لكل من تسول له نفسه العبث بحضاراتنا الشرقية ومقدراتنا وقيمنا وفكرنا وثقافتنا.
لكن ثم سؤال ما هو الدور الفعال الذي لعبته حضارات الشرق القديم في بناء الفكر الأخلاقي عند اليونان.
إذا نظرنا بعين الاعتبار وتصفحنا بعض مؤلفات من كتب عن حضارات الشرق القديم،مثل فجر الضمير لبريستيد،وقصة الحضارة لوول ديورانت،وتاريخ العلم لجورج سارتون،والفلسفة اليونانية من منظور الفكر الشرقي لمصطفي النشار،واظن هذه المؤلفات ليست منا ببعيدة.
لكن نريد تصفحها جيدا،من سيتصفحها سيجد ضآلته المنشودة*وفي هذه الحالات نشد الضآلة مباح وحلال*
نبدأ بفكرة الفضيلة علم والرزيلة جهل مقولة سقراط الخالدة،ألم يتحدث المصريون القدماء عن الفضائل واقتناءها،والرزائل واجتنابها، ألم يتحدث القدماء المصريين عن العواطف الحارة والوجدان والحب والعطف والمودة ومعاملة الزوجة باحترام واطاعة الأبناء لآبائهم واحترام الزوجات لازواجهن.
فكرة العدالة التي تحدث عنها أفلاطون وتغني بها ، وأن العادل هو من يجعل قوته العاقلة تسيطر علي قوتيه الشهوية والغضبية ،وفكرة العدالة والماعت المصرية ألم يستمدها أفلاطون من هنا.
فكرة الوسط الأخلاقي ممن استقاها أرسطو ،اقراءوا ان شئتم الاسفار الأربعة لكونفوشيوس حكيم الصين وانظروا وتأملوا حديثه عن الوسط الأخلاقي وأن الإنسان لايميل بالكلية الي طرف دون طرف بل لابد له أن يوفق بين جانبيه المادي والروحي حتي تتحقق له السعادة.
كذلك انظروا أيضا الي هذا الحكيم الصيني ومدرسته ،اذ يقول في حديث ماتع عن الواجب الأخلاقي وأن الإنسان يفعل الفعل ولا ينتظر نتائجه.
الواجب الأخلاقي هو الاحري بالاحترام.
كذلك فكرة خيرية الأفعال وشريتها ألم يتحدث الفرس عن الهين،اله الخير واله للشر،اله للنور واله للظلام،اذن ثم خير وثم شر.
كذلك ألم يتحدث الهنود عن افعل ولا تفعل،الاخلاق في جانبها السلبي وجانبها الإيجابي جانبها السلبي لاتفعل،كأن يقال لك لا تقتل ،لاتسرق ،لاتزني،كل ما هو مشين ورزيل لاتفعله.
وفي جانبها الإيجابي اتيان الفعل كن أمينا ،كن عفيفا،شجاعا،محبا،كريما،ودودا ،عادلا.
إذا أردنا حقا أن نؤسس لفكر موضوعي يقوم علي دعائم موضوعية رصينة فلابد أن نتوخي الدقة والأمانة والموضوعية في مناقشة موضوعاتنا دون ادني تعصب لجنس ولا عرق ولا عصبية.
فالفكر الإنساني نسيج واحد وكل واحد ودوما نعلي من شأن وقيمة هذه المقولة الفكر ليس له دين ولا وطن.
نناقش الفكرة ايا كانت ديانة قائلها مسلم ،مسيحي ،يهودي ،بوذي،وأنا كان موطنه،غربي أو شرقي ،شمالي أو جنوبي.
الحكم والمعيار الذي نحتكم إليه هو العقل فبه نحكم علي كل ما يطرح أمامنا من أفكار ومن خلاله نميز بين الحق والباطل،الصواب والخطأ،الجميل والقبيح ،الخير والشر.
ونقول لهؤلاء العنصريون أحادي النظرة كفاكم هذه الترهات وعودوا الي رشدكم ولاتظنوا أن التاريخ ينسي وأنه سيقوم من بينكم من سيدافع متذرعا بموضوعيته وبعلمه الحقيقي،وسيرد الحقوق لأهلها واصحابها وسينصف الحضارات الشرقية مثلما حدث وسيحدث .
وأقول لهؤلاء الشرقيون ومنهم الحضارة العربية والإسلامية كفاكم استكانة وافيقوا من سباتكم الذي طال كثيرا،واعيدوا مجد اباءكم لا بالتغني بامجاد الماضي ولكن بتشمير سواعد الجد والعود الاحمد المبارك الي مكتباتنا وإزالة الغبار عن تراثنا لا عن موروثنا في كل العلوم حتي نعود سيرتنا الأولي.