رشا فوزي
ودعوني أقص عليكم قصة….
عندما كنت في الحادية عشر من عمري؛ صادفني بين أشياء هي لأمي كتاب مهمل بالي مهترئ الغلاف، وقد كُتِبَ عليه كلمتان فقط هما ” عقلي وقلبي” للعملاق إحسان عبد القدوس .
وبفضول طفلة فتحته لأعرف ما شكل قصص الكبار بعيدا عن حكايات الأطفال الوردية، وما إن شرعت في القراءة حتى شعرت أنني “أليس” وقد هبطت على حين غرة في بلاد العجائب!
وبدأت تتفتح أمامي عوالم لم أكن أفطن حتى لوجودها، تسمو بي أفكار إلى عليين، وتهبط بي أخرى لأسفل سافلين، وقد كان هذا أول كتاب اقرأه في حياتي؛ لينتزع عذرية عالمي وبراءته كاشفا لي عن دنيا هي في واقعيتها أشبه بالخيال بالنسبة لي!
أدمنت بسبب هذا الكتاب القراءة، وأصبحت أنهل منها أولا بإدراك طفلة ثم مراهقة، وفي هذه المرحلة كنت اقرأ لكثير من كبار الكتاب وأتعايش مع أفكارهم لأحلق عاليا في سماء مخيلتهم وخبراتهم.
كنت أحرص على شراء الكتب في كل مناسبة وبدون مناسبة، لكنني لاحظت أن أمي بدأت تأخذ من كتبي لتقرأ هي الأخرى في أوقات فراغها، فأدركت أن لديها نفس الهواية والتي ربما اندثرت تحت ركام المسؤوليات وضغوط الحياة، ثم جئت أنا لأبعث فيها الروح من جديد.
يوما ولتقصير ما غضبت مني أمي، وبدأت في توبيخي، وفوجئت بها تقول لي من خلال عتابها :
– وأغلب وقتك تضيعينه بين روايات الحب و قصصه!
– أنا؟ !!
وبدهشة صادقة سألتها:
– أنا أقرأ قصص وروايات الحب متى وأين؟!
-كُتب إحسان وغيره هي روايات للحب، ألا تدركين؟!
قالتها ومضت تاركة سحابة من الذهول تجتاح عقلي؛ فما هو بالنسبة إلي عوالم وحيوات نابضة بالأفكار والتجارب هو بالنسبة لأمي مجرد روايات حب!
وهنا أدركت حقيقة فَغرت لها الفاه؛ إننا قد ننظر معا لنفس الصورة؛ إلا إننا ليس بالضرورة أن نرى نفس الأشياء، وعلينا تقبل ذلك!
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية