نظارتي القديمة

بقلم/ أحمد النحاس
-نظارة جديدة!!
-أجل.
-مباركة.. لماذا أنت حزين هكذا؟
-لماذا أكون سعيدًا، هل لأنني سأتخلى بكل بساطة عن جزء أساسي من جسدي؟
-جسدك، كيف ذلك، إنها مجرد أداة للرؤية!!
-عجبًا تراها مجرد أداة وأراها عضوًا أساسيًا مكملًا لمنافذ رؤيتي، لم تنتظر مني أن أكون حسن السلوك أو أن أغض الطرف عما أراه من خلالها، كانت تحترق شوقًا لأقرأ شيئًا مثيرًا أو مسليًا، خُيل لي لأكثر من مرة أني سمعت صوتها يتردد في فضائي الصغير بملاحظات لا يقولها إلا البالغون، أحببتها رغم عدم قدرتها على النطق ورغم معرفتي بأنني أتوهم، كنت كلما حاولت الإفصاح عن نفسي أسعفتني في الإيضاح، إيضاح الرؤية والتفاصيل، كانت الرفيقة التي لا تخون، الشاهدة الوحيدة على عزلتي وكآبتي وصراعيّ الداخلي، لم أجد في قواميس لغتها حرفًا واحدًا من حروف كلمة التخلي، كانت حاضرة في الوقت الذي غاب فيه أولئك الذين قطفوا الدموع وتركوني علي بوابات الليل بلا مفتاح، ترشف الملح المتساقط في خريف العيون فتحول بين ضبابية روحي وضبابية المكان فتعتم الرؤية، لم تهتم أبدًا بطريقة اعتنائي بها، أنظفها وأعاود وضعها فإذا بشلالات الملح قد توقفت وأزهرت صحراء الليل، كثيرًا ما نمت وتركتها وحيدة في ركن إلى جوار سريري وكثيرًا ما حرمتها متعة الاستلقاء وظلت على وجهي كحارس الحقل الذي لا ينام، كيف لي أن أستبدلها هكذا بأخرى جديدة لا تعرف لي اسمًا ولم تشهد لي ذكرى، كيف لي أن أبدأ رحلة رؤية جديدة خالية من الفوضى، خالية من الأشياء التي تحمل معنى والأشياء التي لا تحمل معنى، خالية من لقطات السعادة التي ادخرتها لأيامي الحزينة، كيف لي أن أنتقل هكذا إلى مصدر رؤية جديد بلا ذاكرة، أعلم أن ذاكرة الإنسان لا تُمحى لكن الأمر أشبه لي بولادة مجال بصري جديد.
Comments (0)
Add Comment