أديب ومعلومة الجزء السادس

كتب د _ عيد علي

أرهقني مدعي الكتابة الأدبية من ركاكة أسلوبهم وتجنيهم على فنون الأدب فهم لم يقرضوا الشعر يوما ولم يدرسوا بحوره مع تجردهم من الموهبة فأصبح الشعر والأدب في عصرنا الحاضر يتناوله من لا يفقه ألوانه ولا مدارسه ولا يلتزمون بوزن أو قافية بل ولا التفعيلة الشعرية ومنهم من لا يميز بين القصة القصيرة والرواية وقليل جدا من كتب في المسرحية والرسالة واتجه بعضهم إلى كتابة المقال الأدبي ولم يدرسوا فنونه ولا أنواعه وأطلق كل منهم على نفسه لقب شاعر أو أديب لذلك أردنا من خلال الأجزاء التالية تسليط الضوء على فنون الكتابة الأدبية فتقسم من حيث طبيعة النص إلى قسمين

أوّلهما: الشعري وفيه أنواع وأشكال كثيرة كالموشحات والمربعات والمزدوجات وغيرها،

وثانيهما : هو الشكل النثري وأشكاله هي: القصة والرواية والمسرحية والمقامة والخطبة والوصية والمقالة والخاطر.

ولكل فن من هذه الفنون الأدبية خصائص وسمات تقود مشاعر القارئ في الاتجاه الذي أراده الكاتب من خلال النص الأدبي.

الفنون الأدبية الشعرية :

تقسم هذه الفنون إلى أقسام من حيث الموضوع واللغة والشكل :

أنواع الشعر من حيث الموضوع

هي الأغراض التي تخرج إليها هذه الأشعار والمرامي التي كتب لأجلها الشاعر فمنها :

” الوجدانية، والقصصية، والتمثيلية، والتعليمية وغيرها.

الشعر الوجداني: وهو الشعر الذي يُعبّر فيه الشاعر عن انفعالاته وعواطفه الذاتية، وما يخالج نفسه من مشاعر وأحاسيس، وقد يعرض الأحداث والأمور كما يراها هو ووفق انفعالاته، وهو شعر ذاتي بامتياز، وقد عرفه العرب منذ القدم في أغراض متنوعة هي : الفخر والرثاء والغزل والمديح.

الشعر القصصي : هو الشعر الذي يذكر أحداثًا تاريخية أو اجتماعية ذات هدف، وتظهر فيه قدرة الشاعر على تصوير الأحداث والوقائع فتغدو قصيدته أشبه بالملحمة.

الشعر التمثيلي: وهو شعر حديثٌ نسبيًا ارتبطت نشأته بنشأة المسرح، إذ نشأ لدى الحضارات القديمة وبالأخص الإغريق، ودعمت أركانه فيما بعد في فرنسا ولندن، ووصل إلى العرب في العصر الحديث وكان رائده أمير الشعراء أحمد شوقي، وكتب عددًا من المسرحيات الشعرية ثم تبعه عدد من الشعراء منهم حسن القرشي.

الشعر التعليمي: وهو مجموعة من الحقائق العلمية الموضوعية ينظمها الشاعر ليسهل على طلاب العلم حفظها وهو يخلو من معظم الخصائص الفنية للشعر فليس فيه مثلاً عاطفة أو خيال

أنواع الشعر من حيث الشكل

قديما وهو ما كتب وفق بحور وأوزان، ومنه أيضًا ما خالف قواعد الشعر في قوافيه وطريقة نظمه، أمّا حديثا فقد شهد ثورة على تقاليد القصيدة القديمة من حيث القافية ودخول الألفاظ العامية.

الشعر وفق عمود الشعر العربي يعرّف على أنه كلامٌ موزونٌ مقفّى، دالّ على المعنى، ويكون غالبًا في أكثر من عشرة أسطر حتى يسمّى قصيدة، أمّا ما قلّ عن ذلك فهي مقطوعات، وينظم وفقًا للبحور العروضية التي اكتشفها الخليل بن أحمد وهي ستة عشر بحرًا، ويلزم الشاعر بها بقافة واحدة ورويٍ واحد، والبحر هو: نظام إيقاعي لعدد من التفعيلات المكررة بصورة شعرية، أما القافية فهي: المقطع المتكرر في آخر كل بيت من أبيات القصيدة الواحدة، والروي: الحرف الذي يتكرر في كل بيت من أبيات القصيدة وتسمى القصيدة به، فنقول مثلًا: لامية الشنفرى، ميمية الفرزدق، وهكذا.

الشعر المزدوج

وهو ألّا تتكرر القافية في الأبيات فتختلف من بيت إلى بيت، بينما تتكرر في الشطرين المتقابلين، وعادة ما تنظم المزدوجات على بحر الرجز، وكانت المزدوجات وسيلة من الوسائل التعليمية، كالمزدوجات التي نظمها عبد الحميد اللاحقي، فقد نظم في الفرائض والأحكام، كما نظم كتاب كليلة ودمنة، ومزدوجات أخرى في التاريخ الفارسي، منها يقول أبو العتاهية:

هَمُّ القاضي بَيتٌ يُطرِب قالَ القاضي لَمّا عوتِب ما في الدُنيا إِلّا مُذنِب هَذا عُذرُ القاضي وَاِقلِب

الرباعيات

وهي تتألف من أربعة أشطر، يتفق أولها وثانيها ورابعها في قافية واحدة، أما الشطر الثالث فقافيته حرة، قد يلتزم الشاعر القاقية نفسها وقد لا يلتزم، وقد كثر قولها لأغراض المدح والهجاء والأغراض التعليمية، وقد ظهرت الرباعيات في شعر أبي نواس وأبي العتاهية وبشار بن برد، وقد ذاعت الرباعيات وانتشرت في العصر العباسي

يقول أبو العتاهية:

المَوتُ بَينَ الخَلقِ مُشتَرَكُ لا سوقَةٌ يَبقى وَلا مَلِكُ ما ضَرَّ أَصحابَ القَليلِ وَما أَغنى عَنِ الأَملاكِ ما مَلَكوا

الموشحات

شعر مستحْدَث، يختلف عن ضروب الشعر الغِنائي العربي في أمور عدَّة، وذلك بالتِزامه بقواعد معيَّنة في التقفية، وبخروجه غالبًا على الأعاريض الخليليَّة، وباستعماله اللُّغة الدارجة أو العجميَّة في خرجته، ثمَّ باتِّصاله القوي بالغناء، وقد يعتمد الموشَّح أحيانًا على بعض الأوْزان الشِّعْريَّة القديمة، فلا بُدَّ له إذًا من أن يبدل فيها وينوِّع في تفعيلها.

ومن أشهر الموشحات موشح لسان الدين الخطيب:

جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما في الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ إذْ يقودُ الدّهْرُ أشْتاتَ المُنَى تنْقُلُ الخَطْوَ علَى ما يُرْسَمُ

الشعر الحر في العصر الحديث

نظم الشعراء القصائد على بحور الشعر العربي لكن دون الالتزام بالقافية والروي، ولكن اكتفوا بالتفعيلة دون أن يقيدوا عددها في السطر الشعر الواحد، ويمكن أن نعرفه بأنه: الانتقال من البحر العروضي ذي القالب الوزني الصارم القائم على عدد من التفعيلات حدّده العرف الشعري مسبقًا إلى البيت غير المغلق، الذي يستطيع الشاعر فيه أن يكرر عددًا غير محدود من التفعيلة أدناه مرة واحدة وأقصاه غير معروف، وإنما يتوقف على طبيعة الجملة الشعرية وطولها، ومقدار ما فيها من الشعور والوجدان بين الإطالة والقصر، فالوزن في القصيدة القديمة يتكرر تكرارًا عددي متماثل من التفعيلات، تكرارًا يحتمل التنوع

قالت نازك الملائكة:

سَكَن الليلُ أصغِ إلى وقع صدى الأنَّات في عمق الظلمة تحت الصمت على الأموات صرخاتٌ تعلو، تضطرب حزنٌ يتدفَّق يلتهب

أنواع الشعر من حيث اللغة

ما سبق من أنواع الشعر كلّه يُكتب بلغة عربية فصيحة تتراوح بين السهولة والصعوبة، لكن ظهرت أنواع من الشعر كُتبت بلغة عامية شعبية، ومنها:

الزجل هو الموشَّح المنظوم باللغة العاميَّة، فكما انتشرت الموشَّحات عند الطبقة العليا في المجتمع الأندلسي انتشرت في الطبقة العاميَّة الأزْجال، التي كانت تؤدَّى مصحوبة بالموسيقى، ونظمت دون التِزام بقافية أو وزن، والشَّائع في هذا الفن أن تأتي الأزْجال بأربعة مصاريع، يلتزم الرَّابع منها رويًّا واحدًا في القصيدة، وأمَّا الثَّلاثة فتكون على قافية واحدة، وتسمَّى بـ: “القراديات”، ومن الأزجال: لانسِت إذا زارني حِبّي وانجلى همّي وزال كربي قلت له وقتًا أخذ قلبي قل متى تجين: قال غدًا وغدًا للناظرين قريب

الشعر النبطي

هو لهجة موحدّه بين كلّ الأقطار، وتعتبر لهجة أهل نجد الأصليّة هي التي ينبع منها الشعر النبطي وأجزاؤه هي: القفل، المشد، الطرق، الطاروق، القارعة، القاف،

وتجدر الإشارة إلى أنَّ معظم النقاد لم يعترفوا بهذا الشعر، وقد عدوه ضربًا من الأقوال الشعبيّة،

يقول البدوي:

تقول فتاةُ الحيِّ سعدى وهاضها لها في ظعون الباكرين عويل أيا سائلي عن قبر الزَّناتي خليفة خذِ النَّعتَ منِّي لا تكون هبيل

وإلى اللقاء مع الجزء السابع من سلسة أديب ومعلومة

Comments (0)
Add Comment