كتب، حماده توفيق
غريبٌ أنتَ، تتشبثُ بسلاحِكَ تشبُّثَ الغريقِ بأسبابِ الحياةِ، أمجنونٌ أنت؟ وماذا يُغني عنكَ سِلاحُكَ وأنتَ بين نيرانِ التكفيرينَ والإرهابيينَ المستعرةِ؟ هو يا صديقي كحديدةٍ باليةٍ، لا تُسمنُ ولا تُغني من جوعٍ.
– وماذا ترى إذن؟ أن أُلقي سلاحي وأشاركَ في العملياتِ أعزلًا مُجردًا؟ هل يناسبكَ هذا التصرفُ الأهوجُ؟
– بالطبعِ لا، بيدَ أنّ سِلاحكَ لن يُجديَ نفعًا الآن، نحن محاصرونَ بالسياراتِ المفخخةِ والأربيجيهاتِ والقنابلِ اليدويةِ والانتحاريينَ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، أنا وأنتَ سنموتُ لا محالةَ يا صديقي.
– لنمت إذن والسلاحُ بأيدينا، لنمت واقفينَ شجعانًا، مستميتينَ في الدفاعِ عن هذا البلدِ الكريمِ حتى الرمقِ الأخيرِ، ماذا دهاكَ يا صديقي؟ ألم تتعلم في الكتيبةِ أن سلاحَ المقاتلِ شرفه، إذا ضاعَ منه عاشَ بلا شرفٍ أو ماتَ بلا قيمةٍ؟
– نعم، أنتَ مُحقٌّ، لا تؤاخذني، فإني أرى الموتَ عن يميني وعن شمالي، أرجوكَ يا صديقي إذا كتبَ اللهُ لك النجاةَ أن ترعى أمي المريضةَ وزوجتي وبناتي الصغيراتِ، ليس لهنّ اليومَ بعد اللهِ إلا أنت، فأوصيكَ بهنّ خيرًا.
– لن أرعى أحدًا، بل سترعاهُنّ بنفسكَ، لن تموتَ يا صديقي، وسنخرجُ من هنا منتصريْنِ مُظفَّريْنِ، فقط تمسكْ بسلاحكَ واستبسلْ في القتالِ، وتذكرْ قولَ القائلِ:
وإذا لم يكنْ من الموتِ بُدٌّ ..
فمن العجزِ أن تكونَ جبانًا !
– سبحانَ الله!
– ماذا؟
– كأني أرى الجنةَ أمامي، بل على مرمى خطواتٍ مني، وكأني أرى فتاةً حسناءَ كأنها البدرُ في ليلةِ تمامه، مُلوِّحَةً تُناديني.
– يا رجل، حتى وأنت في حربِكَ لا تنسى الحسناواتِ، فماذا لو لم تكن متزوجًا من امرأةٍ جميلةٍ مخلصةٍ، تُحِبُّها وتُحِبُّك، إنّ الطبعَ غلّابٌ إذن كما يُقالُ.
– أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا رسولُ الله، اللهمّ إني أستودعكَ أهلي يا من لا تضيعُ لديهِ الودائعُ.
– أرجوكَ يا صديقي، لا تتركني وحيدًا، ألم نتعاهد على البقاءِ معًا، من أيام الطفولةِ ونحن معًا، أيطيبُ لك الفراقُ اليومَ وأنا أحوجُ ما أكونُ إليكَ، يا رجل ما كنتَ أبدًا خوَّانًا ولا ناقضًا للعهدِ.
– …………..
– ألا تجيبُ ؟ تكلمْ أرجوكَ ..
– على أيِّ حالٍ لن نفترقَ، فأنا أيضًا أجدُ ريحَ الجنةِ، هي لحظاتٌ وألحقُ بك، أما أهلي وأهلكَ فلهم اللهُ، ليس لهم من أحدٍ سواه، طابَ المضجعُ يا رفيقُ.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية