من الانتفاضة الفلسطينية إلي الانتفاضة الرقمية

بقلم_د. وليد رشاد زكي
أستاذ مساعد علم الاجتماع
المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي * عيوننا إليك ترحل كل يوم* تدور في أروقة المعابد* تعانق الكنائس القديمة* وتمسح الحزن عن المساجد … إلخ هكذا عبرت فيروز. أنا بكره إسرائيل * وبقولها لو اتسأل انشا الله اموت قتيل .. أو أخوش المعتقل… إلخ هكذا عبر المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم. لم يقف الأمر عند الأغاني كسبيل من سبل الاحتجاج الناعم, ولكن ثمة انتفاضة جديدة تعبر عن السخط والغضب العربي بل والغربي الحر عن انتهاكات إسرائيل إنها الانتفاضة الرقمية.
تطل علينا إسرائيل بين الفينة والفينة بعمليات قمع وإرهاب تستهدف المدنيين العزل, وتزرع الأوهام من أجل تبرير اعتداءاتها المستمرة, سعيا نحو بناء العديد من المستوطنات, وفرض السلطة والهيمنة. ويشهد تاريخ الانتفاضات علي مجموعة من التحولات منذ انطلاق اللفظ الأول للانتفاضة في ديسمبر 1987, والثانية في عام 2000, والثالثة في عام 2002, ومحاولات عام 2018, وغيرها من المحاولات التي تمت قبل ذلك.
ثمة مجموعة من التحولات التي تشهدها أجواء الانتفاضة الآن, ومرجعها بطبيعة الحال انتشار وسائل التواصل الاجتماعي, والسوشيال ميديا, والتي باتت تشكل محور مهم في الدعوة للقضية الفلسطينية, وفتحت الأبواب أمام التعبير والتعاطف مع الشعب الفلسطيني, وفي نفس الوقت يروج اليهود عبر الآلة الإعلامية بأبواق الدفاع عن النفس, بما شكل نمط من انماط الانتفاضة يمكن تسميته بالانتفاضة الرقمية.
الانتفاضة الرقمية كمواجهات جديدة
شهدت جميع الانتفاضات تضامن شعبي, سواء من الشعوب العربية أو الشعوب الأوربية, وشهدت جميع الانتفاضات تظاهرات في عواصم المدن الكبري سواء العربية أو الغربية من أجل التنديد بالعدوان الإسرائيلي الغاشم. ومع التطور في وسائط الاتصال أصبحت السوشيال ميديا لها دورها البارز في التضامن مع الشعب الفلسطيني.
خرج العديد من المتفاعلين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر أرجاء العالم للتنديد بالعدوان عبر السوشيال ميديا عبر مظاهر متعددة أولها –علي سبيل المثال – رفع صورة العلم الفلسطيني علي البروفايل الشخصي , وثانيها نقل صور الضحايا الفلسطينين, وصور الدمار والتخريب, والتصرفات الوحشية الإسرائيلية سواء من خلال الصور أو مقاطع الفيديو, وثالثها متمثل في كتابة التدوينات ضد الاحتلال الإسرائيلي وتصرفاته القمعية, ورابعها متمثل في الهاشتاج المتمثل في عزة تحت الحصار, وخامسها متمثل في تكوين المجموعات للدعم سواء الدعم المادي أو المعنوي, وسادسها انتشار الاسكرين شوت من صفحات الإسرائليين ونشرها عبر الشير… وغيرها الكثير من سبل المواجهات الرقمية .
وفي ذات الوقت تزخم العديد من الصفحات الإسرائيلية بتصوير نفسها في صورة الضحية جراء صواريخ المقاومة الفلسطينية, وتحاول أن تصور ما تقوم به إسرائيل بأنه دفاع عن النفس, في حين تصور الفلسطينين علي أنهم ارهابيين. وبين هذا وذاك نجد معارك رقمية, فقد أصبح المجال الرقمي مجال للمواجهات بين الطرفين, ولكن هذا المجال افتقد للعدالة من سياسات القمع التي قامت بها إدارة العديد من مواقع التتواصل الاجتماعي التي تدار بواسطة الولايات المتحدة, فما مظاهر القمع ؟ نتحدث عنه في العنصر التالي.
القمع الرقمي والحيل الرقمية
اتخذت الفيس بوك عدد من التدابير ضد مؤيدي الانتفاضة الفلسطينية, وتكشف هذه التدابير عن عدم حيادية الآلة الإعلامية التي تتحكم فيها الولايات المتحدة, التي تدعم بطبيعة الحال وتوفر الغطاء لإسرائيل لارتكاب جرائمها. ومن هذه التدابير حظر التعليقات لكل من يثبت تأييده للقضية الفلسطينية لمدة معينة, وكذلك حظر من يقوم بالتدوين حول القضية الفلسطينية, وحظر من يقوم بالشير للصور أو الفيديوهات التي تعبر عن القضية, وتعد هذه التدابير بمثابة شكل من أشكال القمع الرقمي, وتشير هذه التدابير إلي عدم حيادية الفضاء الأزرق .
يمثل الصراع الرقمي شكل جديد من أشكال الصراع, وثمة مواجهات جديدة تنطلق في هذا الفضاء, وثمة سبل لمواجهة القمع الرقمي, علي سبيل المثال قام العديد من الشباب بابتكار تطبيقات تقوم بالكتابة علي الكيبورد دون حروف, بالشكل الذي لا يستطيع الفيس بوك تتبع خوارزيميات اللغة العربية المكتوبة حول التضامن مع الفلسطينين, ويعد ذلك بمثابة حيل من الحيل الرقمية للوقوف ضد إدارة الفيس بوك وتحكماتها.
وقد قامت العديد من الدعوات بحذف الفيس بوك وإعادة تحميلة مرة أخري والدخول علي التقييمات , وإعادة التقييم بنجمة واحدة, وبالفعل تراجع تقييم الفيس بوك بشكل كبير, وتزخم العديد من الصفحات والمواقع بالسبل التي يمكن من خلالها خفض تقييم الفيس بوك, وبالفعل تراجع تقييم الفيس بوك من 2.7 بعد أن كان 4.6 من أصل خمس نجمات. لم يسلم الانستجرام من هذه الحيلة, فقد انخفض تقييمه ولكن ليس بنفس انخفاض درجة تقييم الفيس بوك , فقد انخفض من 4.2 نجمة إلي 3.9 نجمة علي متجر بلاي.
لم تقف المواجهات عند الفيس بوك, ولكن يقوم الشباب العربي بنشر حسابات للعديد من النشطاء الإسرائيليين, وقرصنة الحسابات, وإلقاء الشتائم والهجمات الرقمية عليها, علي مستوي العديد من وسائل التواصل, وليس علي مستوي الفيس بوك فقط . نضيف إلي ذلك الاختراقات التي تتم منذ عام 2014 علي وزارة الدفاع الإسرائلية وانتهاكات الأمن السيبراني للعديد من المؤسسات الإسرائلية.
الصراعات السيبرانية لم تنتهي بعد, ولكنها في تطور مستمر ومواكبة للتحولات علي الصعيد الواقعي, ولازال المستقبل يحمل في طياته العديد من الحيل والصراعات الرقمية.

من الانتفاضة الفلسطينية إلي الانتفاضة الرقمية
Comments (0)
Add Comment