غزة تنتفض

بقلم- رانيا ضيف
“غزة تنتفض” نشأنا على هذه الجملة الموجعة وما يتبعها من تداعيات وعواقب يندى لها الجبين وتتصدع لها القلوب، لا أنسى صورة محمد الدرة وهو يحتمي بحضن أبيه بزاوية بعيدا عن الرصاص المتطاير لتستقر رصاصة فى جسد الصغير فى مشهد مأساوي انتهك براءتنا وأدمى قلوبنا .
لنعي وقتها ما القدس، وما القضية الفلسطينية، ومن هم الصهاينة المعتدين مغتصبي الأرض، قتلة الأطفال والمدنيين ومنتهكي حرمة النساء.
وعينا كما لم نعِ من قبل كيف يكون الشرف والدفاع عن الحق حينما صمدت صحفية فى ريعان شبابها أمام دبابة محاولة إيقافها لتدهسها بخسة وإجرام منقطع النظير !
رأينا الرصاص ينهال على المصلين والذل الذي يعانيه الناس ليصلوا فى مقدساتهم .
شاهدين على خطط التهجير والاستيطان المستشري فى الجسد الفلسطيني كالمرض الخبيث .


شاهدين على نضال أهل غزة وعلى بسالة أهلها
فى مواجهة محتل غاصب يستحل الأرض والعرض، وسفك الدماء، وانتزاع الأملاك بوحشية ثم يتصدر وسائل الإعلام المحلية والعالمية بدموع التماسيح وطمس الحقائق وتدليسها ليحصد تعاطف عالمي، ليغض العالم الطرف عن جرائمهم الممنهجة لمخططات طويلة الأجل يسلمها كل مجرم لمن يتبعه .
في ظل شجب وإدانة الحكومات العربية
حتي باتا الشجب والإدانة مفردتان تثيران فى نفوسنا الحنق يتبعه السخرية .
“غزة الآن تحت القصف” جملة عادت تصم الآذان بعد قرار تهجير الناس من منازلهم فى الشيخ جراح، فالكيان الصهيوني يُكمل إجراءات الاستيطان فيخرج الناس من بيوتهم وممتلكاتهم والتي شُيدت عام ١٩٥٦ويلقي بهم على قارعة الطريق بلا خجل. لتشتعل انتفاضة فى أرجاء فلسطين لعدة أيام ضاربين مثلا فى البسالة والشجاعة والمقاومة فحينما يصل الظلم غاية منتهاه فإما الحياة أو لا حياة أى نكن أو لا نكون .


فقد شهد الحي الفلسطيني مواجهات واشتباكات ومطاردات من قوات الاحتلال الإسرائيلي لأهالي الحي إثر احتجاجهم على قرارات المحكمة الإسرائيلية بإجلائهم من بيوتهم .
ردود أفعال الأهالي كانت مثيرة للإعجاب وخاصة المرأة الفلسطينية التي كانت مثلًا أعلى، ونموذجًا يحتذى به فى الشجاعة والقوة فقد كانت خنساء عصرها التي دفعت بزوجها وأبنائها إلى أداء واجبهم الوطني، ولم تكتفِ بذلك بل؛ تصدت هي الأخرى للعدو الغاصب، وشاهدنا صورتها وهي تقف بثبات الجبال راسخة شامخة ترفض الخروج من بيتها، وشاهدنا نظرات ريم العفيفي وابتسامتها التي قهرت أعداءها وهم يضعون فى أيديها أغلالهم وأصفاد الاعتقال.
والطفلة التي وقفت على مقربة شديدة من جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح تنظر فى عينيه بغضب شديد وكراهية اخترقت قلبه بلا ذرة خوف تعتريها .


تلك الأمثال وغيرها تزرع الرعب فى قلوب أعداء الإنسانية وتجعلهم يرتعدون خلف ترسانة أسلحتهم وكأنهم عُزل!
فلقد راهنت إسرائيل على نسيان القضية والصمت العربي وعدم الاكتراث ليصدمها الواقع فلا نسينا القضية، ولا وقفنا صامتين إزاء الإجرام الذي تمارسه ضد شعب أعزل يعاني من الظلم والقهر والممارسات العنصرية من عصابة تحتل أرضه، ومنتهكة حرماته ومقدساته .
كما صدم الصهاينة ردود أفعال الشارع العربي
ابتداء من صعيد مصر والمظاهرات المطالبة بفتح الحدود لهم لتحرير الأرض،
إلي موقف الشباب الأردني الذي خرج متجها نحو الحدود فقطع السياج الفاصل ليدخل فلسطين تدفعه الحمية للدفاع عن القدس والأهالي وانتقاما للأبرياء الذين اغتالتهم أيادي الغدر والخسة إثر الهجوم الغاشم على غزة وكأنهم يرددون قصيدة نزار

أَخَـــيْ جَــاوَزَ الظَّــالِـمُـوْنَ الــمَـدَى
فَـــحَــقَّ الـــجِـهَـادُ وَحَــــقَّ الــفِـدَا
أَنَتْرُكُهُمْ يَغْصِبُوْنَ العُرُوْبَةَ
مَجْدِ الأُبُــــــوَّةِ وَالسُّؤْددا
وَلَيَسَ بِغَيْرِ صَلِيْلِ السُّيُوْفِ
يجيبون صوتا لنا أو صدى
فجرد حسامك من غمده
فليس له بعد أنْ يُغمدا
وانتهاء بمظاهرات حاشدة في المغرب العربي اليوم تنذر بانتهاء التطبيع.


علمت إسرائيل من الأحداث الأخيرة ومن موقف الحكومة المصرية المشرف أن القضية لازالت حية فى الوجدان، ولازال الجرح ينزف، وأن أصحاب الحق لن يتنازلوا عنه أبدا، فطالبت مصر بوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات ونبذ العنف، وطلبت الوساطة وحذرت من استمرار العنف مهددة بتجميد عدد من الملفات مع إسرائيل فى حال استمرار العدوان ..
كما فتحت معبر رفح لاستقبال الجرحى من أهل غزة وقامت بإرسال إغاثات طبية كبيرة
كما قال وزير الخارجية سامح شكري:
“لنا أخوة في القدس لم تتح لهم الفرصة ليستشعروا نفحات الشهر الكريم لأنهم يخوضون معركة وجود دفاعا عن مقدساتهم وعن بيوتهم فى وجه هجمات إسرائيلية جديدة تستهدف حقوقهم فى الأرض التي ولدوا عليها ”


وجاءت خطب الجمعة مفاجئة ونارية،
منددة بممارسات الكيان الصهيوني فكان من ضمن خطبة الجمعة فى الجامع الأزهر للدكتور أحمد عمر هاشم
“ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، لابد من قوة ردع إسلامية تتمثل فى بلاد الإسلام وبلاد العرب ”
كما قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب
“أدعو شعوب العالم وقادته لمساندة الشعب الفلسطيني المسالم والمظلوم في قضيته المشروعة والعادلة من أجل استرداد حقه وأرضه ومقدساته.. أوقفوا القتل وادعموا صاحب الحق، وكفى الصمت والكيل بمكيالين إذا كنّا نعمل حقا من أجل السلام ”
فكانت التصريحات على مستوى الحدث ومتوافقة مع الغليان الشعبي وداعمة لموقف أخوتنا فى فلسطين المحتلة
إذا فالصراع قائم ودائم وباق مادامت القدس محتلة ومادامت إسرائيل تصر على ممارساتها الإجرامية .

غزة تنتفض
Comments (0)
Add Comment