شجرة مريم إحدى محطات المسيح وأمه في رحلتهما

رحاب الجوهري
توجد شجرة العذراء مريم في منطقة المطرية ، وتعرف باسم الشجرة المباركة، استظلت تحت أوراقها مريم العذراء وابنها، ومكثت بها لوقت، وتحاط الشجرة الموجودة حاليا بشارع المطراوي بسور كبير تتوسطه حديقة جميلة .
وعرفت هذه المنطقة قديما بجامعاتها التي كانت خاصة بالكهنة المصريين والعلماء المتخصصين في تدريس جميع العلوم والمعارف، ثم ذاعت شهرتها بعد استضافة العائلة، عند هروبها من اضطهاد وظلم هيرودس الملك الروماني في ذلك الوقت، الذي أراد قتل المسيح طفلاً، ضمن حملته على أطفال بيت لحم خوفاً على ملكه، بعدما أخبره العرافون بأن طفلاً ولد حديثاً سيصبح ملكاً على اليهود بدلاً منه وذريته، ما دفع العذراء مريم والمسيح عليه السلام ويوسف النجار، للهرب إلى مصر، ومكثوا بها سنوات .
واضطرت العذراء والمسيح عليه السلام إلى الاختباء تحت هذه الشجرة، بعدما تعقبهم جنود هيرودس، فانحنت عليهم بأغصانها، ليستظلوا بأوراقها، التي أخفتهم عن عيون المتربصين من جنود هيرودس حتى نجوا من شرهم .
وذكر المقريزي أن العائلة حطت بالقرب من عين شمس ناحية المطرية، وهناك استراحت بجوار عين ماء، وغسلت العذراء فيها ثياب المسيح عليه السلام، كما كان الناس يسقون من ماء البئر، فصارت هذه العين محل تعظيم من الأقباط، فكانوا يغتسلون بمائها ويستشفون به، كما تحرص الكنيسة القبطية المصرية على الاحتفال بتلك الذكرى المباركة في أول شهر يونيو من كل عام، امتدادا لتقليد حرص عليه الأقباط القدامى .
وذكر أيضاً أن المكان اشتهر بنمو نبات البلسان، الذي كان يستخرج منه عطر البلسم، وكان من الهدايا الثمينة التي يختص بها الملوك والرؤساء، ويقال إن أشجار البلسان كانت تروى من هذه البئر المقدسة، حيث أقيمت ساقية لهذا الغرض، كانت تقوم بتوزيع الماء لري حدائق البلسان .
ويذكر أن الشجرة الأصلية التي استراحت تحتها مريم وابنها أدركها الضعف والوهن عام 1656م، ما حدا بجماعة من الكهنة بأخذ فرع من فروعها، وأعادوا زرعه بالكنيسة المجاورة لمنطقة الشجرة، المسماة كنيسة العذراء مريم، فنمت الشجرة وتفرعت، ومنذ فترة قريبة أخذ فرع منها، وزرع ملاصقاً لمكان الشجرة الأصلية العتيقة، ومن ثم فإن الشجرة الموجودة حالياً نبتت من جذور الشجرة الأولى .
ولما تتمتع به هذه الشجرة من مكانة، قامت هيئة الآثار المصرية ببناء السور الموجود حولها، وحولت المكان إلى مزار سياحي .
ويحكى أنه فور وصول جنود الحملة الفرنسية إلى مصر، تحت قيادة نابليون بونابرت هرع الجنود الفرنسيون إلى زيارة شجرة مريم، ودون الكثير منهم أسماءهم على فروعها بأسنة سيوفهم، ويبدو ذلك واضحاً على أغصان هذه الشجرة العتيقة .
كما كانوا يهرعون إليها للتبرك بها، والاغتسال من النبع، وبقيت حديقة المطرية لعدة قرون تتمتع بشهرة عالمية كأحد الأماكن المهمة، التي يرتادها السياح والحجاج من كل أنحاء العالم .
وتضم أعمال مشروع تطوير منطقة شجرة مريم، التي بدأتها محافظة القاهرة ووزارة السياحة والآثار، ترميم الشجرة، وعمل أسوار حديثة حول المنطقة، واستكمال كل أعمال تشغيل شلالات المياه الموجودة عند فوهة البئر المجاور للشجرة، كمنظر جمالي للمنطقة ، وأعمال خدمات رفع المياه، بالإضافة إلى تجهيز منطقة الكافيتريات، وتطوير نظم الإضاءة والتأمين بالمنطقة الأثرية، ورفع كفاءة الحديقة العامة، وتجهيز مركز للزوار وإقامة قاعتي عرض دائم بالمنطقة، لتعريف الزائرين بتاريخ رحلة العائلة المقدسة في مصر، وتاريخ شجرة مريم من خلال عرض أفلام تسجيلية ووثائقية.
كما يشمل المشروع طلاء وتجميل العقارات المجاورة لمنطقة شجرة مريم، لتليق بصورة مصر، خاصة أن هذه النقطة من نقاط مسار العائلة المقدسة المهمة بالقاهرة، التي ستشهد إقبال عددا كبيرا من السياح والزائرين لها.
جدير بالذكر، أن مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة إلى مصر، يعد مشروعا قوميا، باعتباره محورا عمرانيا تنمويا، يقوده قطاع السياحة، ويؤدي إلى تنمية هذا المحور، إلى تنمية المجتمعات المحيطة بطول المسار.
يضم مسار رحلة العائلة المقدسة، 25 نقطة تمتد لمسافة 3500 ذهابا وعودة من سيناء حتى أسيوط، حيث يحوي كل موقع حلت به العائلة، مجموعة من الآثار في صورة كنائس أو أديرة أو آبار مياه، ومجموعة من الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع، وفقا لما أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر.
وبدأت رحلة دخول العائلة المقدسة من رفح بالشمال الشرقي للبلاد، مرورا بالفرما شرق بورسعيد، وإقليم الدلتا عند سخا بكفر الشيخ، وتل بسطا بالشرقية، وسمنود بالغربية، ثم انتقلت إلى وادي النطرون في الصحراء الغربية، حيث أديرة الأنبا بيشوي، والسيدة العذراء “السريان”، والبراموس، والقديس أبو مقار.
واتجهت بعد ذلك، إلى منطقة مسطرد والمطرية، حيث توجد شجرة مريم، ثم كنيسة زويلة بالقاهرة الفاطمية، ثم مناطق مصر القديمة عند كنيسة أبو سرجة في وسط مجمع الأديان.
ومنها إلى كنيسة المعادي، وهى نقطة عبور العائلة المقدسة لنهر النيل، حيث ظهرت صفحة الكتاب المقدس على سطح المياه، مشيرة إلى المقولة الشهيرة “مبارك شعبي مصر”، وصولا إلى المنيا، حيث جبل الطير، ثم أسيوط، حيث يوجد دير المحرق، وبه أول كنيسة دشنها السيد المسيح بيده.
ثم انتقلت إلى مغارة درنكة، ثم العودة مجددا إلى أرض الموطن عند بيت لحم.
وقد وجه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم الاحد الموافق 27 سبتمبر 2020 بضرورة تطوير منطقة شجرة مريم في حي المطرية باعتباره مشروعا قوميا هاما ، وذلك خلال كلمة سيادته أثناء افتتاح مجمع التكسير الهيدروجيني وهو أكبر معمل تكرير في مصر وأفريقيا بمنطقة مسطرد في محافظة القليوبية.
Comments (0)
Add Comment