الدراما وما تفعله بنا

كتبت/ سهام سمير

هواة متابعة الدراما، خاصة الدراما الرمضانية والتي أطلق عليها هذا المصطلح لكونها تُعرض حصريا في رمضان، يجمع هؤلاء حب المسلسلات التي تنقل إلينا أو تنقلنا لعالم موازي.
قديما كانت تقدم لنا الدراما حلولا وتبرز شخصيات الأبطال في برواز ذهبي جميل، منمق وبعيد عن التصنع والافتعال، قريب جدا من المثالية ومناشدة الكمال.
كانت معظم الأعمال تقسم الشخصيات بين طيب وشرير كما رأينا في دراما أنور عكاشة البطل الذي يحارب طواحين الهواء، يدافع عن القيم والمبادئ ويعرض علينا نهاية الطيب والسعادة التي يعيشها ونهاية الشرير وما جناه نتيجة زرعه للشر طوال الحلقات.
ما كنا نشاهده كان البطل كما يجب أن يكون ليس كما هو فعليا.
حين تابعنا الشهد والدموع ورأينا كيف أن زينب الأرملة الفقيرة التي سرق عم أبناءها ميراث أبيهم، تربي أولادها بما تيسر وتوفر لهم من عملها على ماكينة الخياطة.
حين نتذكر تلك الأعمال وكيف أثرت فينا وعلينا وما حدث لنا حين خضنا غمار الحياة وقابلنا أنواع عدة من البشر وألوان كثيرة من العلاقات، تتأرجح بين الطيبة والشريرة والتي تجمع بين الاثنين.
أذكر مرة أني قرأت نقدًا لأحد الأعمال، حيث يتكلم الأبناء فيها مع آبائهم بصيغة “حضرتك” قبل كل كلمة وهذا ما لا يحدث في الواقع.
كما أن الكرسيين المتلاصقين في غرفة نوم الأم والأب لا يوجد لهما أثرًا في غرف نومنا!
وقتها كانت الدراما مباشرة وتقدم لنا ما تود أن نكون عليه لا ما نحن عليه فعلا.
وحين تغيرت أخذت المنحى المعاكس تماما، من النقيض للنقيض، من المبادئ والمثل والعظات المباشرة للإجرام وإتجار في المخدرات والسلاح وصفقات غير مشروعة، من القصور للحارات والأزقة ومن النوادي ومرتاديها للشوارع وعربات الفول وهكذا غرقنا في الواقعية كما يقولون.
أما النقلة الحقيقية، فأعتقد أنها ما يحدث الآن من تقديم شخصيات عمل ما من لحم ودم يخطئ ويصيب، فلم يعد ارتباط ظهور البطل على الشاشة بالنور الذي يصاحب ظهوره، وارتداء ثوب الحكمة والموعظة، ولا حتى شيطنته ووضع خطوط حمراء تحت شخصيته تنفرنا منه.
ما حدث أن انتقلت الكاميرات للبيوت فعلا، ما يدور من حوار بين الأبناء لا يستعملون فيه كلمة “حضرتك” قبل الحديث مع أبويه.
فككت الدراما رِباط الصفقات ورجال الأعمال والموظف البسيط وجعلتك ترى الشخوص كما هي.
ليس بالضرورة الثري في العمل الدرامي هو بالأساس ثراءً عن سرقة أو نصب وليس بالضرورة الفقير هو من يمتلك مثلا وقيما عليا.
عرضت لنا الناس بحقيقتهم، من كان يتصور أن بطل العمل يظهر بكل ارتباكه واتخاذه لقرارات خاطئة ولحظات ضعفه!
جانب مهم أخذت الدراما على عاتقها تقديمه، وأفراد صفحات لمناقشته عبر الشاشة، وهو الجانب النفسي للعمل.
الفن كما نعرف وقرأنا، مرآة المجتمع، لكنه في الدراما يبرز ويؤكد المعنى، حتى تصل الرسالة.
كنا في مناقشة قريبا وطرح أحدهم سؤالًا عن تأثير الدراما في حياة الناس؟ وعلى سبيل المثال هل مسلسل مثل كوفيد 25 الذي يعرض هذه الأيام سيساعد الناس في فهم خطورة وباء كورونا ويشجعهم على أخذ المصل؟
أعرف أن من يتابع المسلسل فئة عمرية غالبا تنتمي للشباب، محبو البطل يوسف الشريف، وإن اعتمدنا على هذه الفئة فهي لن تتأثر بقوة لأنهم أكثر نضجا ووعيا، جيلًا متفهمًا جدا لطبيعة الأعمال الدرامية.
من متابعتي لدراما رمضانية سابقة ومرورا بأكثر من عمل وأكثر من موسم رمضاني وصولا للحظتنا هذه، رأيي أن الدراما تحولت من مجرد أداة تسلية وتزجية للوقت لتصبح أداة عصف ذهني وتساعد على تمرير بعض القرارات وتعديل بعض القوانين أو في أبسط أحوالها تجعلنا نتبادل أفكارنا في مواقع التواصل الاجتماعي ونتناقش في الشخصيات ودوافعها وما آل إليه مصيرها، بل أكثر من هذا أحيانا نعيد صياغة كتابة بعض المشاهد ونتوقع أو نرجح النهاية.

Comments (0)
Add Comment