بقلم / انتصار محمد
في الصباح الباكر استيقظت على صوت هاتفي.. من هذا!
-السلام عليكم ورحمة الله.
-وعليكم السلام ورحمة الله.
-كيف حالك يا صديقتي، خيرًا، ماذا بكِ.. أخبريني؟!
-أنا بخير، لا تقلقي أنه ذلك الحلم المتكرر ولكن اليوم كان الخوف يسيطر عليّ؛ يملأني رُعب وتوتر وقلق شديد.
-خيرًا -إن شاء الله- لا تقلقي أنه مجرد حلم، لمَا الخوف الشديد؟
-نعم، يا صديقتى أنه مجرد حلم ولكن يتكرر معي مِرارًا.
كنت أجلس علي المقعد في غرفة الامتحان، وأنا لا أعلم أي شيءٍ عنه، وكنت أسأل ماذا داخل الورق وأنا لا علم لي بالمكتوب داخله؟ ودقات قلبي تتسارع وأريد أن أكتب شيئًا ولا أفقه أي شيء؛ توتر وبكاء شديد لعدم معرفتي بما أنا به.
-حبيبة قلبي، ربما هي رسالة لكي نعرف أننا نحن جميعًا في هذه الحياة داخل هذا الامتحان، فينا من يختار النجاح بجدارة ومن يفشل. من يصدق ومن ينافق وربما هو حلم لكِ وأنت لا تستطيعين تحقيقه؛ فأنتِ كنتِ دائما تريدين أن تكملي دراساتك الجامعية، وأنت لم تفعلي. حققي ما تتمني يومًا؛ لتجتازي حُلمك.
بالفعل وبعد فترة سمعت صديقتي نصائحي وأكملت دراستها بجدارة وتفوقت، وكنت دائما أنتظر يوم الامتحان لأطمئن عليها، وكانت دائمًا في توتر وقلق شديد. وبعد انتهاء الامتحان أنتظر اتصالها بي؛ كي تخبرني ما فعلت وأبتسم علي سعادتها ونبرة الفرح بكلامها، وكيف استطاعت على تحقيق حلمها الذي بات أن يتحقق. وبالفعل هي بإرادتها حققت ما أرادت يومًا. ليتنا جميعًا نعلم ما نريد ونسعى إلى تحقيقه!
ازدادت سعادتي لرؤيتها سعيدة. هي فقط كانت تنتظر من يرشدها إلى حلمها. كثيرًا منا داخله ذلك الحلم؛ حلم خاص به يريد تحقيقه أو يريد من يرشده لتحقيقه.
وفي الصباح الباكر ذهبت إلى عملي. جلست على مكتبي؛ فرأيت زميلة لي تبكي.. يا ترى ماذا أصابها! ذهبت إليها سائلة: ماذا بكِ.. خيرًا. نظرت إليّ وعيناها تغمرهما الدموع فقلت:
-اهدئِي يا صديقتي خيرًا -إن شاء الله.
أجابت:
-إنه مجرد حلم ولكن منذ أسبوع يتكرر معي: أرى أمي وهي بالفراش لا تستطيع التحدث معي، أمي.. أمي.. أمي..
ثم انهارت باكية.. فأكملت:
-إنها رحلت؛ وتركتني وحيدة وأنا أبكي من شدة ما أنا به.
أمي.. أمي، أفيقي.. استيقظي.. تحدثي إليّ، لا تتركيني، ليس ليّ سواكِ. يا أمي، والدموع كانت تملأُ عيني وألمٌ وحُرقة بقلبي، وأتت النساء؛ كي يُيَتْمِمْنَ غسلها. وأتى النعش؛ وقلبي يتمزق بداخله بركان من الحزن والدموع. ليتني أكون مكانك، يا أمي أو أكون معك ولست بمفردي. أمي رحلت ورحل الدفئ والحنان رحلت السعادة وبداخلي النور انطفأ يا أمي، ليس للحياة معنى بدونك يا حياتي..
بكيت كثيرًا ودقات قلبي تتزايد؛ قمت من نومي من سرعة دقات قلبي وعيني تملأها الدموع. أسرعت على هاتفي لأحدّثها فردت عليّ: حبيبتي وحشاني. يا الله أنها أمي. أطال الله عمرها لا أستطيع الرد لفرحتي من سماع صوتها أدامها الله علينا. أكملت مكالمتي وتذكرت الحلم ودعوت ربي أن يحفظها لي ويبارك في عمرها وذهبت إليها وارتميت بأحضانها الدافئة. ودعوت الله ألا تتركني أبدًا وأن يأخذ ما بعمري ويطيل بعمرها ومر اليوم وأنا معها. ذهبت إلى بيتي ودعوت الله لها طيلة اليوم.
غفوت وحلمت بأمي أنها بالفراش وعيناها يملأهما البياض، نظرت إليها وأنا أرى في عينيها ساعة.. ما هذا؟! هل هذا الوقت يمر بها أم هي دقائق من عمرها أم ماذا؟ لا أعلم، الشيب يكسوها أمامي؛ ازداد عمرها أمامي وأصبحت بالمئة من عمرها، وهي كانت بالستين! لا أعلم ما هذا الحلم والوقت والساعة هل هي إشارة من الله إلي، لست أعلم، أخبريني أنتِ ما هذا الحلم ولما تكراره معي.
أجبت عليها:
-لا أعلم لست على دَراية بتفسيرات الأحلام، ولكن ربما يخبرك الحلم بشيء؛ ما لكل شي إلا نهاية يا صديقتي، كلنا لنا هذا اليوم أنها حياة لها بداية ولها نهاية. استعيذي بالله واهدَئِي؛ والدتك لا زالت موجودة وأنتِ كذلك. اِهتمي بها كثيرًا وزُريها كل وقت، واِشبعي منها قبل فوات الوقت. كوني بارةً بها؛ اسعديها على قدر استطاعتك ولا تتركي عقلك للشيطان يلعب بكِ كوني قويةً بإيمانك بالله.
أبكاني حلم صديقتي وتذكرت أمي ودعوت لها بإطالة عمرها لي، ودعوت الله أن أستطيع فعل جزء من تعبها معي وتربيتها لي، أطال الله عمرك يا أمي.. أطال الله عمرك.
سالت نفسي لما تكرار الأحلام: هل هي رسالة لنا من الله ليخبرنا بشي ما، ربما، لا أعلم أنه حلم؟!
تذكرت صديقتي بالجامعة وأحلامها؛ فأسرعت إلى هاتفي للإتصال بها، بحثت عنها فلا أرى لها اسم.. أين اختفت.. أين ذهبت؟!
لِمَا لم يعد اسمها مدوّن على هاتفي! نظرت أمامي لصديقتي التي أبكتني فلا أرى وجودا لها، أنا أجلس بمكتبي ولا يوجد سوى مكتب واحد فقط وهو مكتبي!
من منا ليس له ذلك الصديق الخفي، من منا له حلم ولا يستطيع تحقيقه كلنا أنا وكلنا ذلك الصديق المجهول.
كان لي حلم منذ طفولتي وهي الكتابة وكل ما كان بوسعي هي الكتابة داخل دفتري، فقط كنت أحلم أن أكتب وآخرون يقرَأون كتاباتي ويخبروني بها. ولكني لا أستطيع تحقيق هذا الحلم ولا أعلم لمَا، ربما رأيت ابنتي تحقق حلمها بالكتابة والرسم وهذا أسعدني وقلت حققت حُلمي من خلال ابنتي الصغيرة وفي يوم أتت إليّ ابنتي وهي تقول:
-أدخلتكِ بدار كتابة واكتبي ما تحبين.
أسعدتني ابنتي كثيرًا، لمَا فعلت! هي البنت الصغيرة التي حققت لي حُلمًا حلمت به كثيرًا، ولم أستطع تحقيقه. شكرًا لكِ يا ابنتي، يا وردتي الصغيرة.. شكرًا.
بداخل كل منا حلم بأستطاعتنا تحقيقه، لا نريد فقط سوى البداية.