كتب _ حمادة توفيق
بإمكاننا أن نستدلَّ بقانونِ السببيةِ على وجودِ اللهِ، فكلنا نعلمُ قانونَ السببيةِ، والحقيقةَ أن قانونَ السببيةِ في معناهُ البسيطِ المختصرِ يوضّحُ أن لكلِّ حَدَثٍ أو فعلٍ فاعلٌ، فمنطقيًّا الهرمُ دليلٌ على وجودِ حضارةٍ عظيمةٍ تتميزُ بعلمِ الهندسةِ، ومن البديهياتِ أن قانونَ السببيةِ هو قانونٌ أوليٌّ.
وبما أن الكونَ موجودٌ إذن هناك مؤثرٌ أوجده، وقد ثبت علميًّا مؤخرًا أن الكونَ أُوجِدَ على يدِ مُشغِّلٍ أوجده، فيما يعرف بــ operatoer formulation Quantum mechanics. Operator تعني مشغل، إذن فلابد من مشغل طبقًا لميكانيك الكم وإلا ما ظهرَ الكونُ.
وهذا يعني أن قانونَ الحدوثِ والسببيةِ ينطبقُ على الكونِ ذاتهِ لحظةَ ظهورهِ، والخالقُ من البديهيِّ أنه مُوجِدُ الزمانِ والمكانِ، فلا تنطبقُ عليه قوانينٌ هو الذي أوجدها سبحانه، وكلُّ حادثٍ له مُحدِثٌ، هذا صحيحٌ؛ لكن الخالقَ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (سورة الشورى: 11) وليس حادثًا، ولابد أن يكون الخالق أزلياً [واجبَ الوجودِ] وإلا عدنا إلى مشكلة [التسلسل في الفاعلين] الذي يجهله كثيرٌ من الملاحدةِ.
المادةُ ليست أزليةً ولا يمكنُ – إلا في أحلام اليقظة – أن تكون واجبةَ الوجودِ.
أولًا: من المعلوم أن المادة يمكن أن تتحول من صورة لصورة أخرى – طبقًا لقوانينَ معينةٍ – والتحولُ والتغيرُ يدلُّ على أن بقاءَ المادةِ في صورةٍ معينةٍ يحتاجُ إلى شروطٍ معينةٍ خارجةٍ عن ذاتها، فإذا زالت تلك الشروطُ زالت تلك الهيئةُ والصورةُ؛ أي: المادة تحتاج إلى شروط معينة كي تبقى على صورة معينة، وحاجة الشيء إلى غيره تعني أنه غيرُ مستغنٍ بنفسه عن غيره، وهذا معناه أنه غير قائم بذاته؛ أي: يحتاج إلى مَن يقيمه ويحتاج إلى غيره، وهذا ينافي الأزلية.
ثانيًا: أيُّ مادةٍ من الموادِ في الكونُِ تخضع لقوانينَ معينةٍ، ولا تستطيعُ المادةُ الخروجَ عن هذه القوانينِ، ويستحيلُ عليها تغييرها، لكن الواقع أنك لا تستطيع تغييرها، ولا الخروجَ عنها، وإنما هي مفروضة عليها فرضًا؛ فدلَّ ذلك على أن هذه القوانين ليست من المادة، وبالتالي فهي مفروضة من غيرها، ووجودُ قانونٍ ما يدلُّ على وجودِ مُقنِّنٍ واضعٍ لهذا القانونِ سبقَ القانونَ، والمادةُ تحكمها قوانينٌ، ومقنِّنُ القوانينِ وواضعها سابقٌ للقوانينِ؛ مما ينافي القولَ بأزليةِ المادةِ
إذا كان تحولُ المادةِ من حالةٍ إلى أخرى يتمُّ وفقَ قوانينٍ فهى إذن ليست أزليةً.
والعلم لا يدري ماذا كان قبل الانفجار العظيم – بيج بان- ولا يدري من أين جاءت المادة التي نشأ منها الكون، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: 36]، وكون المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدمٍ هذا كلام تجريبي على المادة التي نتعامل معها ونختبرها، أما المادة الأولى لنشأة الكون فلا سبيلَ للعلمِ للوصولِ إليها، فضلًا عن أن يختبرها.