فى طريق المعرفه ومع رمضان شهر القرآن ” الجزء الثامن “

 

إعداد / محمـــد الدكــروى

 

ونكمل الجزء الثامن مع رمضان شهر القرآن، ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة واحدة، فوضع في بيت العزة فى سماء الدنيا، ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به نجما نجما فى الأوامر والنواهى والأسباب، وذلك في عشرين سنة، وقال ابن عباس رضى الله عنهما أنزل القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة فى سماء الدنيا ، ثم أنزل به جبريل عليه السلام نجوما يعني الآية والآيتين في أوقات مختلفة في إحدى وعشرين سنة، وقال مقاتل في قوله تعالى شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن قال أنزل من اللوح المحفوظ كل عام في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، ثم نزل إلى السفرة من اللوح المحفوظ في عشرين شهرا، ونزل به جبريل في عشرين سنة، وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين” ولقد أكرم الله عز وجل أمة الإسلام، فقد أكرمها بالقرآن الكريم.

 

كما أكرمها بخاتم الرسل الكرام فأنزل الله تعالى كتابه الحكيم مصدقا لما قبله من الكتب السماوية ثم تكفل سبحانه وتعالى بحفظه وصيانته، وللقران الكريم يا أمة القرآن له فى نفس المؤمن مكانة ليس لأى كتاب على الإطلاق، فالقرآن الكريم هو كتاب الله المنزل على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته، وكفى بذلك تعظيما في نفوس المؤمنين، فالمؤمن يعظم ربه ابتداء فيعظم بالتالي كل شيء يأتيه من عند ربه فكيف بكلام ربه؟ فإنه يكفى المؤمن شرفا أن يستشعر في قلبه أن الله تعالى يخاطبه شخصيا بهذا القرآن الكريم، وإنه لا يوجد في تاريخ البشرية كتاب نال من المكانة في نفوس أصحابه كما نال القرآن، ولا يوجد كتاب قرئ وحفظ مثل هذا الكتاب، ولا عجب إن سماه الله تعالى القرآن، فهو الكتاب المقروء، ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الإسراء ” إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ” فمن تمسك به نجا من الفتن، فإنه روح المؤمن ونور هدايته.

 

وأما عن قوله تعالى ” القرآن ” فإن القرآن هو اسم لكلام الله تعالى، وهو بمعنى المقروء، كالمشروب يسمى شرابا، والمكتوب يسمى كتابا، وعلى هذا قيل هو مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا بمعنى، قال الشاعر، ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا، أي قراءة، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها نبى الله سليمان عليه السلام يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا أى قراءة ، وفي التنزيل قوله تعالى ” وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا” أى قراءة الفجر، ويسمى المقروء قرآنا على عادة العرب فى تسميتها المفعول باسم المصدر، كتسميتهم للمعلوم علما وللمضروب ضربا وللمشروب شربا، ثم اشتهر الاستعمال فى هذا واقترن به العرف الشرعى ، فصار القرآن اسما لكلام الله، حتى إذا قيل القرآن غير مخلوق، يراد به المقروء لا القراءة لذلك، وقد يسمى المصحف الذى يكتب فيه كلام الله قرآنا توسعا، وقد قال صلى الله عليه وسلم “لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو أراد به المصحف” 

 

وهو مشتق من قرأت الشيء جمعته، وقيل هو اسم علم لكتاب الله، غير مشتق كالتوراة والإنجيل، وهذا يحكى عن الشافعي والصحيح الاشتقاق في الجميع، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الشورى ” وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم، صراط الله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ” ولقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى إلى الله كما قال تعالى فى سورة الفرقان ” وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا ” وهذه الشكوى لها واقع ملموس في حياة المسلمين سواء من ظاهرة الهجر أو من الخسران الذي وقعوا فيه بسبب ترك العمل بهذا القرآن، فإن هجر القرآن الكريم له عدة صور منها هو ترك الإيمان به وعدم التصديق بما جاء فيه، وعدم تدبره وتفهمه، وترك العمل به، وعدم امتثال أوامره واجتناب زواجره، ومن هجرانه عدم تحكيمه فى جوانب الحياة كافة.

 

ومن هجرانه عدم قراءته، وعدم العناية بحفظه ونشره في العالمين، وإنه لما حرم المسلمون أنفسهم من هذا الكنز العظيم والدستور الكامل لجؤوا إلى قوانين البشرية المبنية على المصالح الفردية ووقعوا في الخلل والظلم والأمراض النفسية والهم والحزن وعدم فهم التاريخ وحقيقة عداوة الكفار والمشركين والمنافقين، وأما عن قوله تعالى ” هدى للناس” فإن هدى في موضع نصب على الحال من القرآن، أى هاديا لهم، وبينات عطف عليه، والهدى هو الإرشاد والبيان، أى بيانا لهم وإرشادا، والمراد القرآن بجملته من محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ، ثم شرف بالذكر والتخصيص البينات منه، يعني الحلال والحرام والمواعظ والأحكام، وبينات جمع بينة، من بان الشيء يبين إذا وضح، والفرقان ما فرق بين الحق والباطل، أي فصل، فهو الطريق الصحيح للحرية والكرامة، فهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم وصدق الله العظيم الذى قال فى سورة طه ” ومن أعرض عن ذكرى فإن له معسشة ضنكا ” ولقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بقراءة كتابه المبين.

 

ورتب على القراءة الأجر الكبير وسواء قلت القراءة أو كثرت فان القارئ لا يعدم أجرا قوله صلى الله عليه وسلم ” من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ” وإن ملازمة قراءة القرآن الكريم صحبة خير تفي صاحبها حقه في الدنيا وتشفع له في دار الآخرة، وفي صحيح مسلم يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ” وإن الحفظ صنو القراءة ففي الحديث الشريف ” إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخراب” ولقد شرع الله تعالى القرآن والحفظ من أجل إن يتزود العباد من الحسنات ومن أجل الارتباط بالقرآن قراءة وفهما وعلما فإن القراءة لا تجدي نفعا إلا بتدبر المعاني وبتفهم الآياتف قال تعالى فى كتبه الكريم ” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ” بل إن الله تعالى أمر بالتدبر، وأما عن قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه قراءة العامة بجزم اللام.

 

وقرأ الحسن والأعرج بكسر اللام، وهي لام الأمر وحقها الكسر إذا أفردت، فإذا وصلت بشيء ففيها وجهان وهما الجزم والكسر، وإنما توصل بثلاثة أحرف بالفاء كقوله فليصمه، أو فليعبدوا والواو كقوله وليوفوا وثم كقوله ثم ليقضوا وشهد بمعنى حضر، وفيه إضمار، أي من شهد منكم المصر في الشهر عاقلا بالغا صحيحا مقيما فليصمه، وهو يقال عام فيخصص بقوله ” فمن كان منكم مريضا أو على سفر” وليس الشهر بمفعول وإنما هو ظرف زمان، وقد اختلف العلماء في تأويل هذا، فقال علي بن أبي طالب وابن عباس وسويد بن غفلة وعائشة وأربعة من الصحابة من شهد أى من حضر دخول الشهر وكان مقيما فى أوله في بلده وأهله فليكمل صيامه، ولو سافر بعد ذلك أو أقام، وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر، والمعنى عندهم هو من أدركه رمضان مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر، ومن أدركه حاضرا فليصمه، وقال جمهور الأمة من شهد أول الشهر وآخره فليصم ما دام مقيما، فإن سافر أفطر، وهذا هو الصحيح.

Comments (0)
Add Comment