عماد اسحاق
يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار ثلاثية شهر رمضان والتى تبدأ بليلة الرؤية وقد احتفل بها فى عام 920هـ/1514م أيام السلطان الأشرف قانصوه الغورى بحضور القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية وحضر الزيني بركات بن موسى المحتسب فلما ثبتت رؤية الهلال وانفض المجلس ركب المحتسب ومشى أمامه السقاءون بالقرّب الجلدية وأوقدوا الشموع على الدكاكين وعلقوا المواقد والقناديل على طول الطريق إلى بيت الزيني بركات طبقًا لما جاء فى دراسة أثرية للدكتور على أحمد أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة
وينوه الدكتور ريحان إلى أن فانوس رمضان عرف منذ رمضان 362 هـجرية 972 ميلادية حين وصل الخليفة المُعزّ لدين الله إلى مشارف القاهرة ليتخذها عاصمة لدولته، وخرج أهلها لاستقباله عند صحراء الجيزة، فاستقبلوه بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب، ووافق هذا اليوم دخول شهررمضان، ومن يومها صارت الفوانيس من مظاهر الاحتفال برمضان.
ويوضح الدكتور ريحان أن أصل كلمة “وحوي يا وحوي” مصرى قديم من كلمة (أيوح) معناها القمر، وكانت الأغنية تحية للقمر، وأصبحت منذ العصر الفاطمي تحية خاصة بهلال رمضان وهناك رأي آخر يقول إن وحوي يا وحوي أغنية فرعونية والنص الأصلي للأغنية هو “قاح وي واح وي، إحع” وترجمتها باللغة العربية أشرقت أشرقت يا قمر، وتكرار الكلمة في اللغة المصرية القديمة يعني التعجب، ويمكن ترجمتها أيضا “ما أجمل طلعتك يا قمر وأغنية “وحوي يا حوي إيوحه” هي من أغاني الاحتفاء بالقمر والليالي القمرية، وكان القمر عند الفراعنة يطلق عليه اسم “إحع”.
ويتابع الدكتور ريحان أن الأغنية ارتبطت بشهر رمضان وفوانيسه بعد أن ظلت أزمنة مديدة مرتبطة بكل الشهور القمرية وتحول من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلًا إلى وظيفة أخرى ترفيهية إبان الدولة الفاطمية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس، وهناك قصة أخرى حدثت في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، وقد كان مُحرَّماً على نساء القاهرة الخروج ليلًا، فإذا جاء رمضان سمِحَ لهن بالخروج بشرط أن يتقدّم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوسًا مضاءً ليعلم المارة في الطرقات أنّ إحدى النساء تسير فيُفسحوا لها الطريق، وبعد ذلك اعتاد الأطفال حمل هذه الفوانيس في رمضان، وقيل إن ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتي ولم يكن يُقاد في المنازل بل كان يعلَّق في منارة الجامع إعلانًا لحلول وقت السحور، فصاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم المسحراتي ليلاً لتسحير الناس حتى أصبح الفانوس مرتبطًا بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة في هذا الشهر ومنها وحوي يا وحوي.
واشتهرت مناطق صناعة الفوانيس فى مصر ومنها تحت الربع المتفرع من ميدان باب الخلق بالقاهرة، وانتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول_العربية وأصبح جزءًا من تقاليد شهر رمضان، لاسيما في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها من العواصم والبلدان العربية.
وعن مدفع رمضان ينوه الدكتور ريحان بأن أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب إيذانًا بالإفطار فى شهر رمضان هى القاهرة ولظهوره عدة روايات منها الصدفة ففى أول يوم رمضان عام 859هـ / 1455م كان والى مصر فى هذه الفترة الوالى المملوكي ” خوشقدم” قد تلقى مدفع هدية من صاحب مصنع ألمانى فأمر بتجربته وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة إن ذلك إيذانًا لهم بالإفطار وفى اليوم التالى توجه مشايخ الحارات والطوائف إلي بيت الوالى لشكره علي هديته لسكان القاهرة فلما عرف الوالى الحكاية أعجب بذلك أيما إعجاب وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس فى كل يوم من أيام رمضان واستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا
وقيل لما توقف المدفع عن الإطلاق ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع فى رمضان فلم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التى كانت تدعى (الحاجة فاطمة) التي نقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه فأطلق بعض الأهالى اسم (الحاجة فاطمة) على المدفع
وتابع الدكتور ريحان بأن والى مصر محمد علي الكبير كان قد اشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية الحديثة فى إطار خطته لبناء جيش مصرى قوى وفى يوم من الأيام الرمضانية كانت تجرى الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فانطلق صوت المدفع مدويًا فى نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليداً جديدًا واعتادوا عليه وسألوا الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان فى وقت الإفطار والسحور فوافق
ولفت الدكتور ريحان إلى أن المدفع استمر يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859م ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة وظهور جيل جديد من المدافع التى تعمل بالذخيرة “الفشنك” غير الحقيقية أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مبانى القلعة الشهيرة ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدرَّاسة القريبة من الأزهر الشريف ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة مدينة البعوث قرب جامعة الأزهر
وينوه الدكتور ريحان إلى وجود ستة مدافع فى القاهرة حتى وقت قريب موزعة على أربعة مواقع اثنان فى القلعة واثنان فى العباسية وواحد فى مصر الجديدة وآخر فى حلوان تطلق مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة حتى يسمعها كل سكانها وكانت هذه المدافع تخرج فى صباح أول يوم من رمضان فى سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة ولم تكن هذه المدافع تخرج من مكانها إلا في خمس مناسبات وهى رمضان والمولد النبوى وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد الثورة وكان خروجها فى هذه المناسبات يتم فى احتفال كبير حيث تحمل على سيارات تشدها الخيول وكان يراعى دائما أن يكون هناك مدفعان فى كل من القلعة والعباسية خوفا من تعطل أحدهما
ويتابع الدكتور ريحان أن إطلاق المدفع توقف فى بعض الأعوام بسبب الحروب مما أدى إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983م عندما صدر قرار من وزير الداخلية المصرى بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة ولكن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع أدى لنقله من مكانه خصوصًا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية هامة
ويستقر المدفع الآن فوق هضبة المقطم وهي منطقة قريبة من القلعة ونصبت مدافع أخرى فى أماكن مختلفة من المحافظات المصرية ويقوم على خدمة المدفع أربعة من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية