كتبت/سهام سمير
طلب منا المدرب فى ورشة الكتابة أن نكتب عن جريمة قتل والتحقيق فيها. اعتذرت عن المشاركة فى التمرين بعد كثير من التردد ومحاولة الكتابة والتوقف.
أما عن السبب؟ فأزعم أنى ولدت على شكل علامة تعجب! وليس علامة استفهام.
عدت بالذاكرة إلى زمن مضى، كنت فى ضيافة أقاربي، وكان أن بدأوا نقاشا فى أحد الامور، حاولت أن أشاركهم الرأى يومها، فسمعت الجملة التي غيرت مجرى حياتي فيما بعد:
“محدش طلب رأيك ومش مسموح تقوليه، انتي ضيفة لوقت مؤقت”
عشت بعدها ضيفة على الحياة بأسرها.
حضرت عشرات المناقشات، دون أن أنطق.
كانت لدي أقوال هامة لم أقلها، واعترافات لم أبح بها.
الطفلة التي كنتها وقت سماعي للجملة، ظلت طفلة، ولم تكبر، حين كبرت الجملة وأصبحت عبارات ثم قطع نثرية إلى أن تحولت لرواية.
في أحد الفعاليات وجه لنا المحاضر هذا السؤال:
“من يجد صعوبة فى مواجهة الجمهور، يحضر إلى المسرح”
أطلت علامة التعجب من رأسي!
كيف لخجول يخشى المواجهة أن يصعد للمسرح؟
قرأ زميلي المجاور لي حيرتي وحثني على الذهاب.
رحت أقدم خطوة وأرجع نفس الخطوة وأتباطيء فى الدرب، اختبأت خلف الكثيرين الذين يعانون مثلي.
اختار المحاضر البعض ليعالجهم وأنا عدت بسرعة لمكاني الآمن.
أخبرني زميلي أنه فخور بي كوني واجهت مخاوفي وقمت بما أخشاه واتجنبه طوال الوقت.
أحاول دوما التخلص من خجلي وملاحقة الجملة التي سمعتها صغيرة، أحيانا أنجح وأشعر بالصدق وأحيانا أخرى تستحيل الجملة عصا أبعد بها من يستمع إلي.
منصات التواصل الاجتماعي أعطت مثلي قبلة الحياة، أطل من خلف الشاشة، أقول ما وددت قوله وأنا صغيرة.
أحزن وأفرح وأغضب لكني لا زلت أرتجف جين ألمح جملة مشابهة لما سمعته.
أجدني بعد مرور هذه السنوات، مجموعة من كلمات لم أعبر عنها وأخرى بحتُ بها.
تُرى من قتل الكلمة بداخلي؟ أليست هذه الجريمة أكثر أهمية بمكان لملاحقة فاعليها؟
أمسك الورقة والقلم، أرسم مسرح الجريمة، أحدد موعدها ومكانها، وأداة القتل. وأكتب تقرير الطبيب الشرعي، الذى حدد بدقة أن أداة القتل، كلمة حادة رشقت فى صدر المجني عليه!
حاكمت القتلة على الورق، وطبقت العدالة التي ستمنع فيما بعد تكرار مثل هذه الجرائم، والأجمل أني هزمت مخاوفى للمرة الثانية وأتممت تمرين الكتابة.