بقلم /سهام سمير
حضرت ندوة بعنوان تخلص من النمر الوردي وبين قوسين (نوبات الهلع)، سمعت عشرات الحالات التي تتحدث عن نوبة هلع حدثت لها، بعضهم يعرف ويعي ما يحدث والبعض الآخر لازال ينكر ما يحدث.
تذكرت الفيلم العربي الشهير( العار)، والحالة التي أصابت حسين فهمي فى الفيلم، وكيل النيابة، الذي فوجيء بعد موت أبيه بميراث ملوث، قوامه تجارة المخدرات، بل وكان لزاما عليه، إن أراد الرفاهية التي عاشها حتى لحظة موت أبيه، أن يكمل المسيرة، وينفذ مع إخوته اخر صفقات أبيه المشبوهة.
بعد تردد وتفكير وافق، وسافر معهم حيث مكان البضاعة، عمق البحر، حين شاهد نفسه وجها لوجه مع البحر والبضاعة وتجار المخدرات الذين يتعقبهم فى الحقيقة، انتابته نوبة هلع، جعلته يرتجف ويتخشب جسمه، ويرفض أن يتحرك خطوة.
عالجه أخوه الطبيب النفسي، الذي يتواجد معه لنفس الأسباب وانطلاقا من نفس المبررات ويجد نفسه هو الآخر في صراع بين مبادئه كطبيب يعالج الناس من الإدمان وتاجر مخدرات يُشرف بنفسه على وصول البضاعة.
اما عن نهاية الفيلم، فمعروفة، موت وكيل النيابة، والذي أعتقد أنه موت معنوي، موت لمهنته ومبادئه فى المقام الأول، وجنون الطبيب، وخسارة الاخ الثالث، حبيبته وتجارته.
واما عن أحداث المحاضرة، فهي أكثر عمقا من الفيلم، لأن الواقع، يصفع الخيال إن تبارزا.
فالحالات تعاني، وأكثر ما يعانيه، المريض بنوبات الهلع، الاستخفاف بحالته، أو محاولة نصحه بالصلاة والتقرب إلى الله، وقراءة القرآن. مما يصب عنده فى منطقة إيمانه، والتشكيك فيها.
ثاني ما يعانيه هؤلاء، عدم القدرة على الاستمتاع، بأبسط الأشياء، وفقدان الأمان، فمعرفتهم بمجئ النوبة، قبلها، هو معاناة فى حد ذاتها.
يحكي أحد المرضي، أنه اصطحب أمه معه مرة لمقابلة عمل واجراء اختبار، يحكي ونبرة صوته تشي بالخجل، وبالشفقة على أمه المريضة، لكنها رافقته، لعلمها بخوفه مما هو مقبل عليه. يقول: كيف أنه ببساطة يريد أن يقود سيارته وحيدا ولا يستطيع، يريد أن يقضى يوما فى مدينة أخرى تبعد عن مدينته مسافة ساعة بالسيارة ولا يستطيع!
حين بحثت فى جوجل عن معنى النمر الوردي، طالعتنى نتيجة البحث عن كرتون أطفال يحمل نفس العنوان، شدني ان حبكة الكرتون تعتمد على شخصية النمر الودرى الذي يثير المشاكل لكن لا يقع فيها.
يصف المحاضر الخوف والهلع الذى ينتابنا، بالنمر الودري، كونه غير موجود، هو بالفعل افتراضي، نفترض وجود نمر يلاحقنا، ونلهث من ملاحقته، لدرجة أننا نفقد القدرة على التنفس بشكل منتظم، وأحيانا يصاحبها شعور بالغثيان، والتجمد، إلى أن تمر النوبة.
أسبابها، غير معروفة، أو مجزم بها حتى الأن، فبين أسباب جينية،وأسباب الارتباطات الشرطية بين مواقف حدثت، وتصادف وجودنا فى مكان وحدوث مأساة أو تعرضنا لخوف مفاجيء من شئ ما، تعددت الأسباب وتبقى نوبة الهلع، مؤثرة على من يتعرض لها، ومن حوله.
تحكي طبيبة عن معاناة رجل، كلما جاء فى موعد المتابعة يبكي، بكاء شديدا، مما يجعلها وهي المعاجلة والتي يجب ألا تتأثر بما تراه، تشفق عليه وعلى ما يجعله يبكي هذا البكاء.
الخبر الجيد، فى مسألة نوبات الهلع، أنها بحسب كلام المختصين، أقل الأمراض النفسية شدة وخطورة، وعلاجها قد يتطلب جلسات أو حتى أدوية قد لا تستمر إلا ستة أشهر فقط وبلا أى أثر جانبي.
واجبنا نحن نحو من يتعرضون لنوبات الهلع، أن نحتويهم، ونشعرهم بالأمان والتفهم لما يلاقونه، ومما أثر في بشكل خاص، أن إحدى الحالات، كانت بجوارها صديقتها فى الندوة وهيَّ التي نصحتها بالحضور، ومما قاله المحاضر، أن من في حياته صديق كصديقتها، لا يحمل هما.
فى كل مرة أحضر فيها، مثل هذه الندوات، ما أسمعه ولا يمل المعالجين من تكراره، أن نرفق بأنفسنا، أن نتقبل عيوبنا، وأخطائنا وأخطاء الآخرين ففى النهاية نحن بشر.
الحياة على امتدادها، هي فى النهاية قصيرة، فحاول أن تحياها ببساطة، وامتنان لما يحدث، وان تدندن مع فريد الأطرش”الحياة حلوة محلى أنغامها”.