رانِيا ضَيْفٌ
بَعْد التَّحِيَّة وَالسَّلَام
وصلتنى رِسَالَتَك حبيبتى وَبِقَدْرِ مَا سَعِدْت بِهَا بِقَدْرِ مَا انتابنى القَلَق وَالْحِيرَة .
سَمِعْت دقات قَلْبِك المتلاحقة ، وَرَأَيْت السَّعَادَة تَطُل مِنْ بَيْنِ السُّطُورِ ، وسعدت كَثِيرًا لِأَجْلِك ،
غَيْر أننى أَعْرِف اندفاعك ، وَفَرَّط حساسيتك ، وَقَلْبُك الْأَخْضَر البرىء . .
لِذَا أوغلى فِى الْحَبّ بِرِفْق يَا عزيزتى ، فَهُو بَحْرٌ عَمِيق عَالِيَة أَمْوَاجِه . .
لَا تسبحى بِانْدِفَاع فتسحبك دواماته ، وَلَكِن تَحَلَّى بِالْقَلِيلِ مِنْ الْحَذَرِ كَى تنهلى مِنْهُ أَكْبَرُ قَدَّرَ مِنَ السَّعَادَةِ دُونَ أَنْ يُصِيبَك أَذَاه ، فغدرات الْعِشْق قَاتَلَه لِلرُّوح . .
اعْلَمْ أَنَّ الْحُبَّ سُلْطَان عَظِيمُ يَا حبيبتى ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ حِينَمَا يَطْرُق الْقَلْب يُسدل عَلَى الْعَقْلِ سَتّار ، فَلَا يُعَدُّ لِلْعَيْنَيْن جَدْوَى وَلَا يُعَدُّ لِلْمَنْطِق مَكَان . .
وَلَكِن اجعلى قَلْبِك يَقِظ فَآذَى الْحَبّ يُدمى الْقُلُوب الَبريئة يَا صديقتى . .
اعْلَمْ أَنَّ الْحُبَّ جُنَّةٌ كَثِيفَةِ الأشْجَارِ ، وارفة الظَّلاَل ، فواحة الْأَزْهَار ، غَنِيَّة بِالْأَنْهَار ، تَخْطَف الأَنْظَار . .
اعْلَمْ يَا حبيبتى ذَلِكَ وَأَكْثَرَ ، ولكننى اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ هُنَاكَ وَجْهٌ آخَرَ لِلْحَبّ ؛
هُو قِنَاع زَائِفٌ يَرْتَدِيه التَّعَلُّق وَحُبّ التَّمَلُّك ، فَيَظُنُّه الْمُحِبِّين جُنَّةٌ الْحَبّ ، وَمَا هُوَ إلَّا هَلَاكَهُم و حَرْقِه قُلُوبِهِم . .
كونى عَلَى دَرَجَةِ عَالِيَةٍ مِنْ الوعى بمكنون قَلْبِك وَقَلْب مِن تحبى ، استشعرى طَاقَتِه وقيمى أَفْعَالِه ، فَشَتَّان بَيْن الْحَبّ وَالتَّعَلُّق .
الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النُّور والظلام ،
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، بَيْن جُنَّةٌ وارفة وغابة مُحْتَرِقَةٌ . .
الْحَبّ دِفْءٌ يغمرك ، وملاذ آمَنُ أَنْ احتميتى بكهفه ، وَغِطَاء سَاتِرٌ حِينَمَا تعريكى الْمِحَن .
الْحَبّ جُنُون كالفنون صاخِب وَبَارَز وَوَاضِحٌ ، وجذاب وَمُمَيِّزٌ ، ومحبب لِلْقَلْب ، وَسَكَن الرُّوح . .
دعى قَلْبِك يَتَعَلَّم مَبَادِيه أَوَّلَا يَا حبيبتى
لتنعمى بِكُلّ لَحْظَة حُبّ فَلَا تُصِيبُك اختلاجاته ،
اعْلَمْ يَا حبيبتى أَنْ لَا هُدُوء مَع الْحَبّ فَأَنْت كُلَّ يَوْمٍ فِى شَأْنِ مَنْ شئونه السَّاحِرَة والقلقة مَعًا . .
يَوْم تطيرين بِلَا أَجْنِحَةٌ حَتَّى تلامسى السَّحَاب ،
وَيَوْم تَمْلَأ الْحِيرَة جعبتك فَلَا زَاد طِوَال يَوْمِك غَيْرِهَا ، وَكُلَّمَا فَرَغَت عَادَت لتمتلىء الجَعْبَة بِالْحِيرَة مِنْ جَدِيدٍ !
وَيَوْم مُشْرِق ملىء بِالسَّعَادَة بِلَا سَبَبٍ ،
تتنقل البسمات بِخُفِّه ، تَارَة تَحْتَلّ الْعَيْنَيْن ، وَتَارَة تَسْكُن الشَّفَتَيْن . .
وَيَوْم غَامِضٌ كَأَيَّام الْخَرِيف ، عواصف وغيوم تبنىء بِسُقُوط أَمْطَار ؛ فَيَحْمِلُ النَّاسَ مظلاتهم فتسطع الشَّمْس الحارِقَة !
فَهُو يُبَدِّل أَحْوَالِه كَمَا تُبْدَلُ الطَّبِيعَة أثوابها ،
وَلَكِنَّه سَاحِرٌ كسحرها ، فتعلمى سِرّ التعويذة
كَى لَا يَمَسُّ الْقَلْب أَذًى .