بقلم/ سهام سمير
من عشاق الأقلام الرصاص، بلينها، وطراوة قلبها.
حين ظهرت الأقلام السنون لم أرغب فيها، تمسكتُ بقلمي الرصاص، بعفويته، باقباله على الكتابة دون خوف.
يذكرني القلم الرصاص بالطفل الشقي، لا يخطر على باله لحظة ما سيجنيه من شقاوته ولهوه، يبحث عن المتعة ولا يهتم للألم.
أتذكر كم مرة قُصف وهو يرسم أرجوحة، ونفذت طاقته بينما يكتب ما أُملي عليه بمنتهى التفاني.
يُسلم نفسه لمقصلة المبراة، دون أن يشغله الوجع، يخرج متناسقًا، كأنه ارتدى حُلة جديدة، لا يمر كثيرا من الوقت عليه، حتى يجد عمره وقد راح، عمره الذي لا يتجاوز أيام، وأحيانًا يضيع بلا رجعة، ويقع في أيدي لم تختاره بنفسها أولا، فيصبح أسيرهم، الذي قد يموت تحت وطأة تعذيب البعد عن يد ألفها أو أوراق اعتاد ملمسها.
عنونت مقالي بالقلم الجاف ولم أتي على سيرته، لأنه ظل رغم ثباته وعدم زحزحته عن موقفه، بلا ذكرى طيبة معي، كورقة ألفت تدليل القلم الرصاص لها، ولهوه المستمر ومفاجآتها بلا توقع، كان لا يلعب معي القلم الجاف أية لعبة.
دومًا في بذلته الرسمية، مرتديا طربوشه، الذي عفا عليه الزمن، مترددا قبل أي كلمة.
يترك ندوبه عليّ إن حدث خطأ ما هو سببه، يتملص من نتائج أفعاله ويدعهم يمسحون ما كتب بعنف أحيانا يصل إلى حد تمزيقي، وأحيانًا أخرى يوراون فعلته بابقائي مهمشة، أو بقطعي من دفتر العمر بالكلية، وإلقائي في أي سلة.!
عانيت جفافه معي، ونظراته الزائغة، وكونه متلون بأكثر من لون، رغم أنه عُرف بزرقته لكنه يتمسك أحيانا بسوداويته، متباهيًا بها، أرى لونه الأحمر عند غضبه أو انفعاله فرحا أو حزنًا!
يشطب بجرة منه سطرا من سطوري التي أعتز بها!
وحين يتحول للأصفر، يثير غضبي، فلا أكاد أتبين ما خطه عليّ!
يحاسبني على رداءة خطه، وعلى نفاذ طاقته بسرعة رغم أنه لا يلهو ولا يرسم ويئد أطفاله الذين يحاولون أن يتمردوا على جفاف حياته.
الشاهد أنه زوجي الثاني، وأني أرملة مات عنها زوجها الأول بعدما عاشت معه عمرا يسطره فنا وعلمًا!
وكأي ورقة لن يرحمها المجتمع إن ظلت بلا كتابة، تزوجتُ الثاني، ذو المنصب الرفيع والذي لا يقدم على كلمة قبل أن يتدارسها جيدًا ويكتب بعد معاناة، وينفعل سريعًا فتنفذ طاقته، لكنه تُخلد ذكراه ويبقون عليه، كأثر من أيام مضت، وأحيانًا يجدون له عملا مناسبًا بعد التقاعد ويؤثرونه بمكان مميز ويقدمونه كهدايا قيمة .
أعيش مع هذا المتباهي جُل أوقاتي، على استعداد بأن يستبدلني بغيري في لحظة.
مؤخرًا تم ترقيته لمنصب أعلى وانتقلنا سويًا للعمل في مكتب فخم، أعلم أنه نقلة رائعة له، لكني في انتظار فرصة تنقلني بعيدًا عنه.
قد ألتقي في عالم أخر بحبي الأول، وتوأم روحي!