الانطباعات الأولي

 

انتقلتُ حديثًا لعملي الجديد، كل من فيه يُرحبون بوجودي، أتعامل بحذر إلى الأن، في حدود المجاملات المقبولة والتحيات التي تُنبيء بالذوق لا أكثر.
تجربتي في عملي السابق أثرت علي بالسلب، تفاديت كل ما يُذكرني به، حتى أني غيرت مجال العمل، وإن كان في نفس ما أتقنه وأحبه، لكنه يبعد عن نطاق السابق والتواجد فيه أو في أحد مناسباته.
أقول تجنبتُ، ولا زلتُ أتكلم عنه، لأن ما نسعى لنسيانه، تعاندنا الذكرى وتُصر على استدعائه.
لم أكن لأتكلم عنه، لولا ما حدث أول يوم تسلمتُ فيه عملي.
دهبتُ صباحًا بتفاؤل يغمرني، بداية جديدة في كل شيء، حتى أن أدخلت بعض تعديلات على ملابسي، وابتعتُ أدوات تجميل جديدة، وأنفقتُ أخر ما تبقى من مرتبي الأخير على ما اشتريتُ.
كأني أتخلص حتى من أخر نقود لمستها في ذاك المكان!
للأمانة زملاء عملي السابق، كانوا ودودين، تعاوننا كثيرًا على إنجاز ما طُلب منا، لم يتأخر أحدهم عن مساعدتي، ولا الرد على استفساراتي، قد تتسألون الأن؛ ما المشكلة إذن؟
المشكلة كانت في مديري، كان ديكتاتورًا بكل معنى الكلمة، لا يتقبل الأراء، منفعل باستمرار، صوته عالي لدرجة تصل بمن حوله لدرجات الجنون وتصل بي أنا إلى حافة الانهيار.
عملتُ بهذا المكان فور تخرجي، لم يكن لدي خبرة سابقة، لكني كنت شغوفة بالتعلم، وسريعة في التقاط مهارات العمل، نضيف لذلك حاجتي المادية له، فتمسكتً به رغم عيوب بعد المكان عن بيتي، وعصبية المدير المستمرة والتي تجعلني أبكي باستمرار، أمام زملائي وأحيانًا العملاء، ما حدا بأحد السائقين ذات مرة أن أوصلني منهارة لمنزلي، في الطريق حاول أن يطمئني ويخبرني حكايات عن طيبة قلب المدير، وأنه أفضل من شريكه الصامت الذي يبدو عليه السماحة والطيبة لكنه ثعبان يلدغ حيث لا تتوقع منه!
كانت أول مقارنة أراها أمامي، بين العصبي ذو القلب الطيب أم الهاديء ذو اللدغة الغادرة!
بعد سلسلة من الصراعات والشد والجذب ونوبات الهلع التى انتابتني مرارا، قررتُ الاستقالة.
وهكذا بعد فترة بحث طالت قليلا، وجدتُ العمل الحالي، وانتظمتُ فيه، ما تغير فيِ هذه المرة، أني اكتسبت خبرة في العمل وتجربة خوف من العصبية والصوت العالي واسم مديري الذي ما إن أسمعه حتى تعاودني نوبات الهلع مرة أخرى.
أول يوم عمل لي، وبعدما تعرفتُ على معظم زملائي، دخلتُ بأوراقي لمديري الحالي!
وجدت الكرسي فارغًا، وكما هو حال المكاتب عليها لافتة باسم المدير، والذي للمصادفات التي لا تحدث إلا لمثلي، يحمل مديري الحالي نفس اسم مديري السابق!
أُسقط في يدي وقبل أن تنتابني نوبة هلع جديدة، وجدته مبتسمًا، وهادئًا وقرب لي الكرسي طالبا أن أجلس لنتحدث في خطة العمل!
لم أتجاوز دهشتي ولا خوفي، ولا الحقيقة بدا عليه أنه فهم السبب، لكنه استرسل في الحديث، الغريبة أنه في نفس عمر مديري السابق، وقد ارتكبتُ سلسلة من الأخطاء التى تجعله ينفعل ويثور لكنه لم يفعل!
أقلتت الملفات من يدي، وانسكب الكوب الذي يشرب فيه مشروبه الساخن، وصار المكتب في فوضى بعد ٥ دقائق فقط فيه، لكنه لم ينفعل!
انتهى اللقاء، وأنا غير مصدقة وفي انتظار الثورة القادمة، أو اللدغة على حسب إلي أي نوع من المديرين ينتمي هو!
مر شهر الأن وأنا مستمرة في العمل، لم أكتشف إلي أي نوع ينتمى مديري! لكني اكتشفتُ أن نوبات هلعي اختفت بين يوم وليلة، وحل محلها هاجس!
متى يظهر الوجه الأخر الثائر الذي يصل بمن حوله لحافات الانهيار!
الاسم الذي يحمله كلاهما، ليس دارجًا إلى حد أن يكون مقبولا تكراره! بالعكس اسم نادر ما يُسمى به أحدهم الأن!
وكل يوم أعقد المقارنة وأنتظر النتيجة التى تثبت حدسي وهاجسي!
للمفاجأة أن كل موقف مر، استشرته فيه وأنا أنتظر توبيخه وعقابه، وجدته حل المشكلة دون أن يوجه لي حتى لومًا بسيطا.
نسف كل منهما أسطورة “أن كل من يحمل اسمًا له منه نصيب”.

#سهام_سمير

الانطباعات الأولى
Comments (0)
Add Comment