بِقَلَم _ حَسَنٌ مَحْمُودٌ الشَّرِيف
إنَّ الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَةِ يَسْتَوِي فِي أَدَائِهَا جَمِيع الْمُسْلِمِينَ ، وَلَكِن التَّفَاوُتِ فِي الرُّتَب وَنَيْل الشَّرَف وَالدَّرَجَات الْعُلْيَا يَكُون بِالتَّقَرُّب إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكَثْرَةِ النَّوَافِل وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ شَرَفًا لِلْمُؤْمِن ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” وَاعْلَمْ أَنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رُفِعَ اللَّهُ لَك بِهَا دَرَجَةً وَحُطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ” . الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَه الأرناؤوط .
وَحَدِيث : ” شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامِه اللَّيْل ” رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَال : ” جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْت ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّك مُفَارِقُهُ ، وَاعْمَلْ مَا شِئْت ، فَإِنَّك مَجْزِيٌّ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ : شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ ، وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الناس” . قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي التَّلْخِيصِ : صَحِيحٌ .
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” عليكُم بقيامِ اللَّيلِ ، فإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قبلَكُم ، و قُربةٌ إلَى اللهِ تَعَالَى ومَنهاةٌ عَن الإثمِ و تَكفيرٌ للسِّيِّئاتِ ، ومَطردةٌ للدَّاءِ عَن الجسَدِ ”
الرَّاوِي : بِلَال وَأَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ وَجَابِرٌ بْنُ عَبْداللَّه
فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مُطَّرِدَةٌ الدَّاء مِنْ الْجَسَدِ
وَلَقَدْ كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَرْضٌ عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قَالَ تَعَالَى : ” يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا ” . أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ” يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتيلا ” (سورة الْمُزَّمِّل ، الْآيَات 1-4) .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ : ” وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ” (سورة الْإِسْرَاء ، الْآيَة 79) .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عنها- : « كَان النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تتفطر قَدَمَاه ، فَقُلْتُ لَهُ : لَم تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شكورا” .
وَمَن نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا أَنْ جَعَلَ قِيَامِ اللَّيْلِ لَنَا نَافِلَةٌ
وَشَرَف يتلفح بِهِ الْإِنْسَانُ وَلَيْسَ فرضًا وَلَوْ كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فرضًا لِمَا اسْتَطَاع كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَهَذِه رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَمَلِ بِسُنَّة النَّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – .
وَآخَر دَعْوَانَا أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . .