حكايات_التاء_المربوطة

(شهرية)

“الدُمية”
في عالم أُحكِمت فيه قبضة الرجال على أقدار النساء، كانت تقبع هي خلف واجهة المتجر اللامعة ترقب الأحياء بأعين زجاجية تشع براءة، في غدوهم ورواحهم، نظرات خلت من أي أحساس، تنتظر بلامبلاة اللحظة التي سيتم فيها بيعها لمن يستطع دفع ثمنها !
أقبل صاحبها نحوها يربت عليها بحرص، فهي سلعته النفيسة، ينتظر من وراءها ثروة!
– خُلقتِ دُمية، وهكذا يجب أن يكن نهجك في الحياة!
كان يردد تلك العبارة على مسامعها دوما، لم تكن تعي ما الذي تعنيه أو ما الذي عليها فعله؛ لكنها أبدا لم تسأل!
جاءها يوما البحر راغبا فيها، عارضا لآلئه
وكنوزه المخبوءة، وهو يخبرها وصاحبها بسماجة:
– على أن تكن سمكة من أسماكي، بالتحديد سمكة زينة!
نظرت المسكينة ببلاهة لصاحبها الذي سال لعابه، ليمسكها متجاهلا نظراتها المصوبة نحوه بحيرة، ويلقيها في أعماقه، متمتما بجشع:
– هي لك!
غاصت وغاصت حتى القاع، شعرت بأنفاسها تتلاشى، هي تختنق، تغرق، لم تنفعها الأرض المعبدة باللؤلؤ والمرجان التي استقبلتها برياء مُرحِبة،
لم تسعدها ألوان القاع المبهرة التي تبث بهجة مزيفة في النفوس، بينما تخفي خلفها ظلام دامس ينضح كآبة.
مع الوقت ظنت أنها أصبحت غير مرئية، أو ربما غير موجودة من الأساس، حتى ألتقت به، كان يبدو كعريس من عرسان البحر، خيالي، فاتن، جسور، والأهم أنه يراها.
وفي لحظة من لحظات الشوق سرقها فارا بها إلى حيث الشمس مرة أخرى، أخذت تعُب من الهواء وهي تظنها الحرية، الحرية والحب، يا له من حلم جميل، أفاقت منه على صوته ساخرا:
– هنا الأرض عزيزتي؛ وعليها لا يوجد شيء بلا ثمن!
ثم، قابضا على معصمها يطوقه بقوة، وقد استحال كرة نارية ملتهبة، أردف:
– أريدك لهيبا من لهبي، تحرقين، تدمرين،
تعثين فيها فسادا!
معه كانت روحها تحترق رويدا رويدا حتى صارت رمادا منثورا على جوانب نفسها الشقية.
فعاشت معه جسدا بلا روح، تتخبط بين جنبات الدنيا بلا هوادة، ترقص على صخب لياليها الداعرة كالممسوسة.
حتى رأت آخر يوما مقتحما أرض الحمم التي استوطنتها مع كرة اللهب، جاء محاربا، مجاهدا، رافعا راية، ظنته قادما من السماء، ظنته الخلاص، انتشلها من براثن كرة اللهب، كاسيا عُريها سوادا، محلقا بها في عالمه القاحل المقفر، لتكتشف بعد فترة وجيزة، أنه ليس سوى قناصا مأجور منزوع القلب، وهي غنيمته بل قل عبدته وأقل من ذلك شأنا!
كانت تسليته معها إماتة قلبها لتصبح مثله، وقد كان له ما أراد، فصارت بلا روح ولا قلب، بأعين زجاجية تشع برودا، نظر فيهما القناص ذات يوم وهو يقول لها:
– أريدك سهما مسموما من سهامي، أطلقه إلى صدر ضحيتي؛ فأرديه قتيلا!
و أشار إليها حيث المتجر ذي الواجهة اللامعة، فهزت كتفيها باستهانة، وسارت نحوه.
وعندما دلفته، وجدت من كان يوما صاحبها، يستصرخها باستعطاف:
– دُميتي!
أقبلت عليه ببراءة مصطنعة حتى بلغته، وما إن تمكنت من رقبته حتى نحرتها دونما طرفة عين، ثم مضت نحو الواجهة اللامعة، قابضة بيدها على سكينها تقطر دماءه، ترقب الأحياء في غدوهم ورواحهم بأعين زجاجية تشع قسوة، وهي تمتم بخفوت:
– ولقد أدركت نهجي جيدا!
تمت
رشا فوزي

Comments (0)
Add Comment