عن السلسلة

كتبت / سهام سمير

لي قريبة تهوى الخياطة بل ودرستها أيضًا في وقت كان لا يخلو بيت من ماكينة خياطة بل كان لزامًا أن تعرف الفتيات كيف تفصل وترتق وتطرز،ورثت حب الخياطة عن أمها، التي عرفت كيف تحتوي وتربت وتعمل من الفسيخ شربات كما يقولون.
العيب الوحيد الذي منع قريبتي من الشهرة والعالمية؛ سمة تتوارثها عائلتنا ألا وهي المزاجية!,ما نحبه، نفعله بإتقان ونبذل فيه جهدنا ونعطيه من روحنا، فقط إن وافق مزاجنا.
لقريبتي صديقة، كانت تخبرها دومًا، أنها لو تمتلك ربع موهبتها، لسمع بها القاصي والداني.
لكن قريبتي تؤمن بأسطورة أخبرتها بها أمها؛
“إن اقتربتِ احترقتِ”
لا تجعلي الموهبة تمتلكك، امتلكيها أنتِ عوضًا عن ذلك.
لا تلمسي من الأقمشة إلا ما يغريكي، الخياطة فن.
لذلك حين كان يحتاج أحد أخواتها أو أبنائهم بنطلون أو ملابس للبيت أو حتى تشرف إحدى بنات العائلة على الزواج، كانت تقع قريبتي في معضلة، صراع يأخذها بين واجب يناديها، ومزاج لا يوافقها.
..
حين تزوجت قريبتي، كنت أزورها فأجد في كل ركن في بيتها قطعة فنية، مفرش طرزته، تابلوه، حتى ملايات سريرها كانت مختلفة.
سألتها عن اسم الغرزة التي زينت بها وسادتها؟
غرزة السلسلة، كما ترين تأخذ شكل السلسلة،هكذا كانت حياتها سلسلة رقيقة تبدو براقة ومتقنة، لم نسمع مشاكلها ولا تعقيداتها، وظلت السلسلة الهادئة على الدوام.
..
لا تسير الحياة بوتيرة واحدة، اعترتنى بعض الهموم، لا أعرف لماذا تذكرت قريبتي الأن؟ وغرزها وتطريزها وفنها ومزاجها!
ذهبت لمحل الخردوات ووقفت انتقي الخيوط بالًوانها الاساسية، أبيض وأسود وكحلي وبني .
بعض الأحيان نحتاج لألوان تضيف البهجة على هذه الأساسيات، فاخترت لون برتقالي، ومقص كبير ودبابيس ووضعتهم جميعا في صندوق هدايا وعدت للبيت كأي محارب، عائد بغنيمته.
أهديت نفسي هذا الصندوق بما يحويه.
وانتظرت بعدها، أول حادث تمزيق، أستعمل فيه أدواتي الجديدة، كما اني اخترت لها مكان مميز على التسريحة.
وفي أول مرة امسكت بالخيط والإبرة ولضمتهما معا، عرفت سر تعلق قريبتي ومن قبلها أمها بهما.
في الخيط والإبرة، سحر التقاء النقيضين، الاطراف المتقابلة التي تتجاذب، اللين والقوة، الغرس والطرح ، الكتابة بالتطريز والنقطة التى تضعها الإبرة في نهاية الغرزة.

Comments (0)
Add Comment