علمُ الغيبِ بينَ تُرَّهاتِ المنجمينَ وحكمِ الدينِ سلسلة مقالات

بقلم/ حمادة توفيق
(3) ..
من الآراءِ التي لاقتْ رواجاً وانتشاراً وذيوعاً تلك التي ترى علمَ التنجيمِ علماً زائفاً، فينظرُ مثلاً العلماءُ المعاصرونَ أمثالُ ريتشارد دوكينز وستيفن هوكينغ إلى التنجيمِ بوصفهِ غيرِ علميّ، كما وصفَ أندرو فرانكوني من الجمعيةِ الفلكيةِ في منطقةِ المحيطِ الهادئِ التنجيمَ بالزائفِ.
وفي عام 1975، ميزتْ الرابطةُ الإنسانيةُ الأمريكيةُ الذين آمنوا بالتنجيمِ، على الرغمِ من عدمِ وجودِ أيِّ أساسٍ علميٍّ لمعتقداتهم، وهناك أدلةٌ قويةٌ تثبتُ العكسَ.
ووجدَ عالمُ الفلكِ كارل ساجان نفسَهُ غيرَ قادرٍ على الإيمانِ بهذا الافتراضِ، ليس لأنه شعرَ بأنَّ التنجيمَ كان صحيحاً، ولكن لأنه وجدَ أن لهجةَ المقولةِ تتميزُ بالاستبداديةِ، وذكر ساجان أنه على استعدادٍ للإيمانِ بذلكَ الافتراضِ، ووصفَ ودحضَ المبادئَ الأساسيةَ للاعتقاداتِ الفلكيةِ، وكان يعتقدُ أنه يمكنُ أن يكونَ أكثرَ إقناعاً، وكان سينتجُ جدلاً أقلَّ من تعميمِ هذا البيانِ.
وعلى الرغم من أن علمَ التنجيمِ تميزَ بمكانةٍ علميةٍ محدودةٍ لبعضِ الوقت، فإنه كان موضوعاً للجدلِ وللبحثِ بين المنجمينَ منذ بدايةِ القرنِ العشرينِ.
وفي دراستهمْ حول البحثِ العلميِّ في التنجيمِ الولاديِّ خلالَ القرنِ العشرينِ، وثقَ نقادٌ علمَ التنجيمِ أمثالُ جيفري دين والمؤلفون المشاركون هذا النشاطَ البحثيَّ المزدهرَ، وخاصةً داخلَ المجتمعِ الفلكيِّ.
وفي الواقعِ فإن كثيراً ما فشلتْ الدراساتُ إحصائياً في اثباتِ العلاقاتِ الهامةِ بين التوقعاتِ الفلكيةِ والنتائجِ المحددةِ فعلياً، واستنتجتْ اختباراتُ الفرضياتِ التي تعتمدُ على التنجيمِ أن دقةَ معاني التوقعاتِ الفلكيةِ لا تزيدُ على ما هو متوقعٌ من قبيلِ الصدفةِ، فعلى سبيلِ المثالِ، عند الاختبارِ المعرفيّ، والسلوكيّ، والماديّ وغيرها، لم تظهر دراسة “توائمُ الوقتِ” الفلكيِّ تأثيرَ الأجرامِ السماويةِ على خصائصِ الإنسانِ، وهناك اقتراح قائل بأن البحوثَ الإحصائيةَ الأخرى غالباً ما يُعتقدُ خطئاً بأنها دليلٌ على علمِ التنجيمِِ بسببِ قطعٍ غيرِ متحكمٍ فيها.
كما اقترحَ علماءُ النفسِ التجريبيِّ أن هناك العديدَ من الآثارِ المختلفةِ التي يمكنُ أن تسهمَ في القناعاتِ الفلكيةِ، وهناك إتجاهٌ معروفٌ بالتحيزِ التأكيديّ، حيث أن الناسَ الذين يحصلونَ على مجموعةٍ متعددةٍ من التنبؤاتِ يميلونَ إلى أن تذكرَ عددٍ كبيرٍ من التنبؤاتِ الدقيقةِ أكثرَ من تلك غيرِ الدقيقةِ، وبالتالي، يميلُ الناسُ إلى وصفِ مجموعةِ التنبؤاتِ بأنها أكثرُ دقةً مما هي عليه بالفعلِ، بالإضافةِ إلى ظاهرةٍ نفسيةٍ ثانيةٍ تُعرفُ بتأثيرِ فورير، وهي تشيرُ إلى إتجاهِ الأفرادِ لإعطاءِ تقديراتٍ عاليةِ الدقةِ، لوصفِ شخصياتهمْ التي يُفترضُ أنها صممت خصيصاً لهم، ولكنها في الواقع عادة ما تكون غامضة وعامة لدرجة أنها يمكن أن تنطبق على طائفةٍ كبيرةٍ من الناسِ، وعندما تتحولُ التوقعاتُ الفلكيةُ لتتوافقَ مع بعضِ الظواهرِ تحديداً، يمكنُ لأمانةِ تلك التوقعاتِ المجمعةِ أن تنجمَ عن التحيزِ التأكيديِّ، وعندما تستخدمُ التنبؤاتُ لغةً مبهمةً قد يعودُ مظهرها الفرديُّ إلى تأثيرِ فورير.
وبالإضافة إلى تأثير فورير قام بييرستين بإعدادِ اختبارٍ آخرَ للعلومِ الزائفةِ ومن ضمنها التنجيمُ، والذي خضعتْ له مختلفُ أنواعِ الطرقِ لتحليلِ الشخصيةِ توقعاتِ المستقبلِ ولم تنجحْ به أيُّ طريقةٍ من تلك الطرقِ بما فيها التنجيمُ.
في عام 1995 قام باحثان ألمانيان من جامعة جورج اوكست (Georg August Universitat) بإعدادِ بحثٍ رداً على ادعاءِ مناصري التنجيمِ في تشابهِ مصائرِ التوائمِ، ادعت فيها إثر إحصائية لـــ 234 توأمٍ وجودَ تشابهٍ بنسبة 68% في شخصياتِ التوائمِ بحسبِ توقعاتِ الأبراجِ، وكان هؤلاء قد اعتبروها انجازاً مقارنةً بالنسبةِ التي سنحصلُ عليها إذا ما توقعنا بشكل عشوائي وبالصدفة حيث ستكون النتيجة 50%.
أعاد الباحثان التجربة التي قام بها مروجوا الأبراج عبر إعادة تحليل البيانات وإعادة تقييم النتائج التي كانت قائمة على صور نمطية، وكان فيها تناقضٌ أيضاً بين البياناتِ المذكورةِ في الإحصائيةِ وبين البياناتِ الأصليةِ، بالإضافةِ إلى أن النتيجةَ الكليةَ لنسبةِ التوقعاتِ المطابقةِ لم تكن تختلفُ عن الصدفةِ.
كما كتبَ عالمُ النفسِ الفرنسيُّ والإحصائيُّ الذي كرس حياته في محاولةٍ لإثباتِ صحةِ بعضِ أساسياتِ علمِ التنجيمِ، وميشال جاوكيلين، أنه وجدَ علاقاتٍ بين بعضِ مواقعِ الكواكبِ وبعضِ السماتِ البشريةِ مثلِ الموهبةِ.
وتعتبر أكثر المفاهيم المعروفة لجاوكيلين هي تأثير كوكب المريخ، والتي تشير إلى وجود علاقة بين كوكب المريخ الذي يشغل مواضع معينة في السماء عند ولادة بطل رياضي بارز أكثر من المواضع التي يتخذها عند ولادة شخص عادي، وقدم ريتشار تيرناس فكرة مشابهة في كتابه كوزموس والنفسية، حيث يدرس فيه التطابق بين تحالفات الكواكب والأحداث التاريخية الهامة والأفراد.
ومنذ الإصدار الأصلي لها في عام 1955، أصبح تأثير كوكب المريخ موضوع الدراسات النقدية والمنشورات التشكيكية التي تهدف إلى دحضها، بالإضافة إلى دراسات العلوم الهامشية المستخدمة لدعم توسيع الأفكار الأصلية.
ولم تحصل أبحاث جاوكيلين إشعاراً علمياً، وقال أحد من أخضعوها للاختبار أن نسبة ظهور هذا التأثير تقل عن تأثير أي مصادفة فهي لا تظهر في 99.994% من الناس بشكل صحيح، هذا وقد كان جاوكيلين قد قال في نهاية حياته أن أيّاً من تأثيرات الأبراجِ لم يجد لها أيَّ علاقةٍ بما يحدثُ في حياةِ الناسِ، ولم يبقَ له أيُّ اعتقادٍ سوى فيما يتعلقُ بتأثيرِ المريخِ الذي تقلُّ نسبةُ توقعه هو الآخرُ عن نسبةِ توقعِ الصدقةِ.
قام ماك غريفي بدراسة على تواريخ ميلاد 16,634 عالم و6,475 سياسياً ليبرهن أن ما أدعاه المنجمون بخصوص أن يكون المولودون “من برج العذارء” ضعيفي الشخصية هو ادعاء خاطئ، فقد تضمنت لوائح تواريخ الميلاد هذه علماء وسياسيين من مواليد “برج العذراء” مثل أي برج آخر، مما يفيد بأن التنجيم غير قابل للاختبار.
أيضاً الدراسة قامت بها مجلة Personality and Individual Differences عام 2006 شملت 15000 شخص، لتكون نتيجتها أنه لا يوجد أي روابط بين تاريخ ميلاد الشخص وشخصيته.
#يُتبع

علمُ الغيبِ بينَ تُرَّهاتِ المنجمينَ وحكمِ الدينِ سلسلة مقالات
Comments (0)
Add Comment