كتب _ أحمد النحاس
هؤلاء الذين لا يتركون لنا مجالًا لنتنفس، من يظنون أنفسهم؟!
ما الحق الذي يمتلكونه ليطرقوا أبوابنا المغلقة في أي وقتٍ شاءوا، بأي دافعٍ يقتحمون عزلتنا ويلقون ترهاتهم على مسامعنا المتعبة التي صُمَّت عن ضجيج العالمِ وصخب الوحدة، ترى ما الفرق بينهم وبين أولئك الذين يرتدون ظلال الليل ويرقصون على أنغام موسيقي الجنائز ولا يبكون؟
يرفعون براقع الحياء ويقذفوننا بأفكارهم السمجة ويلقون أطروحاتهم الخالية من “رائحة الدم” على موائدنا، لم يدركوا كم هم مزعجون وأن موائدنا لا يجلس عليها سوى الحالمون الذين ينظرون فقط ويبتسمون رغم فيض النزيف وينتظرون بصبرٍ مِلء الفراغ المحيط أن تنتهوا وأن تقطع كل السبل التي تربطهم بكم، لكنهم خائفون دومًا من أن يجرحوا مشاعركم بقولهم رجاءً ارحلوا.
يدّعون بأنهم أصدقاء ولا يعرفون أبسط حقوقها، لا يعلمون أننا فقط نحتاج أن نشعر بالسلام في وجودهم، يطلبون ويطلبون ويطلبون وكأننا مسخرون لخدمتهم أو أنها حق واجبٌ علينا، خلقنا الله لنكون عبيدًا في مجرتهم التي لا يحققون فيها شيئًا مفيدًا غير الثرثرة، كم هم حمقى أولئك الذين كنا نظللهم بحلمنا وتفيض لهم خواطرنا، أغبياء لم يتوقعوا أن كل سبيلٍ لابد أن ينتهي وأن الطرق التي نصنعها لأنفسنا تكون مباشرة جدًا وحادة أيضًا، وأنهم طوال الوقت خارج حساباتنا وأننا لن نبكِ أبدًا على من يرحل عمدًا أو من يلمح بالرحيل.
نحتاج أن تكون صورتنا حرة في شريط ذكرياتهم، تسبح بأريحية الأسماك التي لا تعاند التيار، تشرب من أنهار الرضا كلما أتى ذكرها لا أن تكون معلقة على حوائط السراب في إطارات مذهبة لمدة من الوقت وتنتهي.
أيها القادم من بعيد، أتحدث بصيغة الجمع وأنا المفرد، لا تأتِ، نحب الهدوء ونجلس كثيرًا للتأمل في دواخلنا لنرى أماكن لم نكتشفها بعد، نرى خيباتنا المتكررة في التمسك والتحمل والمثابرة، نرى كم أن أنوفكم قد طالتنا وكم أن ألسنتكم قد نالت منا، أيها القادم من بعيد، رجاءً لا تأتِ.