بقلم/ سالي جابر
عندما سألني طبيبي- في أول جلسة- ماشكواكِ؟
أجبته بدموع فائضة، وأحرف مرتعشة وقلت. . . اشتاقت نفسي إلي نفسي، إلى أيامٍ مضت كانت فيها الحياة طفلة بضفائر، باسم ثغرها تقف في شرفة منزلها تنتظر بائع الآيس كريم، بعيونٍ ضاحكة، وقلب ينبض، ونبضات من الفرحة لربها ساجدة،
اشتاقت نفسي إلى كوب اللبن من يد أمي في الصباح قبل الذهاب للمدرسة، إلي كلمات الحب التي تُجمل يومي بنفحات الزهور، إلي الحب الذي يخرج من فم أبي بكلمات العناق التي تربت على كتفي، لتخفف عني عناء المذاكرة، إلي كوب الشاي بعد الغداء، إلي اليد التي تعطيني الدواء، إلي صباح لا يخلو من البركة برؤية والداي.
اشتاقت نفسي. . .
إلي حكايات قبل النوم، إلي حواديت أبله فضيلة، إلي ابتهالات النقشبندي في الصباح، إلي راديو الرابعة عصرًا وتلاوة البنا.
اشتاقت نفسي. . .
إلي الجري تحت زخات المطر، إلي كلمات أمي عند دخولي البيت مبللًا، إلي كوب السحلب الدافئ ونحن نشاهد التلفزيون معًا.
اشتاقت نفسي. . . .
إلى أيامٍ مضت تمنيتها تعود، إلي أحلام باتت مؤجلة وأضحت مستحيلة، أصبحت كبركان يريد أن يثور، كشمس تغيب تحت طبقات السحاب الداكنة، ليتني أعلم هل أنا فقط من يغمض عينه ويشتاق أم الجميع؟ !
ليتني أعلم لماذا اشتاق؟ أهي المسؤولية، أم سوء التفكير، أم كثرة الذنوب، أم هو الضعف الإنساني؟ !
وليتني أعلم هل أهرب من هذا العالم بافتراض عالم خيالي، أنْسِجه بخيوط الشخصيات التي أحب أن أعيش، بتخيل الكلمات التي أحب أن أسمع، أم بالهروب إلي النوم؟ !
لم تعد المهدئات تجدي، أصبحت أخاف رؤية ضوء الشمس، أخشى يوم جديد، أخشى الحركة، أهاب السكون، أتكلم وأنا صامتة، أضحك وعيني باكية، أصبحت بلا عمل، بلا أصدقاء، بلا هدف
نعم أنا بائسة أخاف الضوء، والعتمة، أُقَلِّب في هاتفي ثم اغلقه، أقلب صفحات كتابي، ثم أمقته.
واليوم وجدتني هنا أحمل قلمي وأخط مذكراتي في أول جلسة علاج نفسي.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية