حكيم بن جبلة العبدى ” الجزء الثالث


إعداد / محمــــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع حكيم بن جبلة العبدى، وقد توقفنا عندما ذكر الطبري أن السبأية لما قرروا الزحف من الأمصار على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كان عدد من خرج منهم من البصرة كعدد من خرج من مصر، وهم مقسمون كذلك إلى أربع فرق، والأمير على إحدى هذه الفرق هو حكيم بن جبلة، ونزلوا في المدينة في مكان يسمى ذا خشب، ولما حصبوا أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وهو يخطب على المنبر النبوي الشريف كان حكيم بن جبلة واحدا منهم، وقيل أنه لما رحل الثوار عن المدينة في المرة الأولى بعد مناقشتهم لعثمان وسماعهم دفاعه واقتناعهم، تخلف في المدينة الأشتر وحكيم بن جبلة وفي ذلك شبهة قوية بأن لهما دخلا في افتعال الكتاب المزور على أمير المؤمنين، ولما جاءت عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة وأوشكوا أن يتفاهموا مع أمير المؤمنين علي بن أبى طالب، على رد الأمور إلى نصابها كان حكيم بن جبلة هو الذي أنشب القتال لئلا يتم التفاهم والاتفاق وقد ارتكب دناءة قتل امرأة من قومه سمعته يشتم أم المؤمنين السيدة عائشة فقالت له يا ابن الخبيثة أنت أولى بذلك، فطعنها فقتلها.

وحينئذ تخلى قومه عن نصرته إلا الأغمار منهم، وما زال يقاتل حتى قطعت رجله ، ثم قتل وقتل معه كل من كان في الواقعة من البغاة على عثمان، ونادى منادى الزبير وطلحة بالبصرة، ألا من كان في الواقعة من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم، فجئ بهم كما يجئ بالكلاب فقتلوا، فما أفلت إلا حرقوص بن زهير السعدي من بني تميم، وقد روى عامر بن حفص عن أشياخه قال ضرب عنق حكيم، رجل من الحدان يقال له ضخيم فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في قفاه، وكان ذلك في شهر ربيع الآخر لخمس ليالى بقين منه من سنة سته وثلاثين من الهجرة قد وقعت معركة الجمل الأصغر في الزابوقة، قبل مجيء الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، إلى البصرة، بين جيش السيدة عائشة وطلحة والزبير وأتباعهما، وأتباع الإمام علي رضى الله عنه، وهم سبعمائة رجل من أهل البصرة، وكلهم من عبد القيس، يقودهم حكيم بن جبلة العبدى، وقد انتهت المعركة بمقتل حكيم و أصحابه، وقد هدأ مقتله الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، إذ روي أنه لما انتهى أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، إلى الآساد.

وتلقى خبر حكيم بن جبلة، فقال الله أكبر، وقرأ قول الحق سبحانه وتعالى ” ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ” وقيل أيضا أنه لما بلغ أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، وهو بالربذة خبر طلحة والزبير وقتلهما حكيم بن جبلة، ورجالا من الشيعة وضربهما عثمان بن حنيف، وقتلهما السيابجة، قام على الغرائر، فقال إنه أتاني خبر متفظع ونبأ جليل، إن طلحة والزبير وردا البصرة، فوثبا على عاملي، فضرباه ضربا مبرحا، وترك لا يدرى أحي هو أم ميت؟ وقتلا العبد الصالح حكيم بن جبلة، في عدة من رجال المسلمين الصالحين، لقوا الله موفين ببيعتهم، ماضين على حقهم، وقتلا السيابجة خزان بيت المال الذي للمسلمين، قتلوهم صبرا، وقتلوا غدرا، فبكى الناس بكاء شديدا، ورفع أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، يديه يدعو لهم، وقيل عن حكيم بن جبلة أنه اتضح أنه لم يكن لديه أدنى شك في جواز قتال أصحاب الجمل، ولكنه امتثل رأي والي أمير المؤمنين عثمان بن حنيف، الذي أراد التفاوض معهم حتى يصل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه.

ولكن بعد غدر أصحاب الجمل بعثمان بن حنيف فقد صمم حكيم على نصرته، وتمكن من تجهيز جيشٍ، مستخدما مكانته الاجتماعية في عبد القيس، فخرج معه سبعمائة من عبد القيس وربيعة، وخاض ما عرف بواقعة الجمل الأصغر فبعد مقتل عثمان ماجت المدينة، وقيل أنه كان كل من طلحة والزبير يأملان الحصول على الخلافة، وكل يعتمد على علاقته بالسيدة عائشة، إلا أن الموقف لم يعد ملكا لقريش، وإنما للأمصار التي قررت اختيار الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، وكان لحكيم دور في بيعة الإمام إلى جانب الكثيرين، وكان هذا الموقف المتميز من حكيم في قيادة الثائرين وبيعة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، جعله أحد المطلوبين للبيت الأموي، لا سيما أنه تميز في موقفه الذي لا هوادة فيه من أصحاب الجمل، فقال سيف بن عمر، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمائة رجل، وجعل حكيم يضرب بالسيف، فضرب رجل رجل حكيم فقطعها، فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه، فأصاب جسده فصرعه، فأتاه حتى قتله،
وهكذا كانت الفتنة الكبرى فى مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه.

وإن الفتن كثيره فى هذا الزمان فإن من الفتن هى فتنة شهوة الفرج والنظر والسمع فإن النفس أمارة بالسوء والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم يزين له معصية الله ويثبطه عن طاعة الله تعالى، ومن رحمة الله عز وجل ولطفه بعبده أن يصرف عنه وجود هذه الفتن فلا يكون له سبيل إليها، ولكن إذا وجدت الأسباب وتهيأت السبل كان الاختبار شاقا شديدا على النفس، فحين يكون السماع المحرم والنظر المحرم والعلاقات المحرمة قريبةَ الحصول سهلة المتناول تكون الفتنة أشد ومجاهدة النفس عن الانزلاق في أوحالها أشق، لذا فإن على المسلم مع تسارع الفتن وانفتاح أبواب الشرور فلا يأتي يوم إلا وهو أشد مما قبله أن يجتهد في تحصيل أسباب العصمة والسلامة والثبات، ومن تلك الأسباب مباعدة أماكن الفتن واجتنابها، ومنها الإقبال على تلاوة القرآن الكريم وتدبره والاتعاظ بمواعظه، ومنها دراسة سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكيف كانوا يجاهدون الفتن ويحذرونها، ومنها كثرة الدعاء والإلحاح فيه بالثبات على الهدى والرشد والاستقامة و كثرة الاستعاذة بالله من الفتن والزيغ والضلالة.

ومنها أيضا قيام الليل والاستكثار من نوافل الطاعات فقد رغّب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في العبادة في الفتنة فقال “العبادة في الهرج كهجرة إلي” رواه مسلم، ولما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا من نومه مما فتح تلك الليلة من الخزائن وما أنزل تلك الليلة من الفتن قال ” من يوقظ صواحب الحجرات” يعني من يوقظ نساءه للصلاة بالليل والدعاء والتضرع فإنه وقت مبارك ولا سيما في ثلثه الأخير منه، ومنها طلب العلم الشرعي والدراسة على أهله ومصاحبة الأخيار الأبرار العاملين بعلمهم فإن ذلك كله مما يعين العبد بعد توفيق الله على العصمة والسلامة من الفتن، وإن العوامل التي بها صلاح المجتمع الإسلامي وغيره، هي العوامل التي قام بها إمام النبيين والمرسلين رسول الله محمد صلوات الله عليه، وقام بها صحابته الكرام رضوان الله عليهم من بعده، ومن المعلوم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها، كما قال أهل الإيمان، ومن جملتهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله، حيث قال لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فما لم يكن يومئذ دين فلا يكون اليوم دين.

رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية

حكيم بن جبلة العبدى " الجزء الثالث
Comments (0)
Add Comment