كتب_الشريف أحمد
داهل عقولنا بعض الكلمات التي تربينا عليها نماذج من صور بعض الحيوانات تعني رموز مختلفة .
على سبيل المثال صورة الأسد تعني الوحشية، الثعبان والقطط تعني الغدر، الخفافيش ترمز بالرعب، الذئب يرمز للتحوّل، الثعلب فهو رمز المكر، البوم والغراب رمز الخراب .
لكن الحقيقة غير هذا على الاطلاق ولكل منه له طبيعيته التى خلقها الله عز وجل .
بل تجد عالم الانسان هو الذي يتمتع بكل هذه الصفات ويُلقى بها على الحيوانات، او الطيور والحشرات .
على الرغم من تكريمه في القرأن والانجيل أيضاً .
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } الإسراء 70
وعن التفرُّد البشري أمر ينادي به الكثير من اللاهوتيين ، بغية نكران إضفاء صفات إنسانية على الحيوان لعدم مزاحمته فيها، ولإستمرار هذا التفرُّد ولو مع البشر المعاقين ذهنيا أو حركيا، لعدم استوائهم مع الحيوان في التجارب الطبيعية والمخبرية التي تجرى على هذا الأخير، وبصفة أخصّ ـ نحترمها عقديّاً، ينادي اللاهوتيون المسيحيون بتفرُّد البشر فيما بينهم أصلا، بين من خلق على صورة الله ومن هو غير ذلك .
(إن الربَّ نفسَه أتى ليعيدَ إلى الإنسانِ الحريةَ والقوةَ ويجدَّده من الداخل، ويطرح خارجاً “سيد هذا العالم” (يو 12، 31) الذي كان يستعبده بالخطيئة (11). أما الخطيئة فإنها تنتقصُ من الإنسانِ نفسه إذ تمنعه من بلوغِ كماله) .
إلا إنك تجد الإنسان يتحول إلى وحش كاسر، يضرب كل القوانين البشرية في العنف وسفّك الدماء دون مُبرر .
وتلاحظ أن الأسد لا يأكل حتى يجوع، الثعبان لا يهاجمك سوى للدفاع عن نفسه ودعنا نتطرق إلى كائنات الاخرى من قطيع الحيوانات التي تًعرف لدينا أنها من الحيوانات الأليفة او من الممكن أُلفتها إن صح التعبير .
حالة أنثى الخفاش القابلة:
هى ملاحظة حول سلوكيات أحد مستعمرات الخفافيش آكلة الفاكهة، أُنثى الخفاش تساعد أخرى في عملية الولادة، بتوضيح الوضعية الصحيحة وبالمساعدة الفعلية لهذه العملية .
فلماذا قامت هذه الأنثى بمساعدة الأخرى الحامل على الولادة ؟ ماهو هدفها من جراء هذه المساعدة ؟ هل رداً لجميل سابق أم لضمان مصلحة آتية؟ ومن أخبرها بحاجة الأنثى الحامل للمساعدة ؟ وهل قامت بهذا عن طريق الصدفة أم عن طريق سلوك متداول بين الخفافيش أم أنه اتصاف بأخلاق خاصة للتعاون بينها ؟ “أم هي الخفاش الفيلسوف ؟” .
ومن هنا ندرك فنجد أن “البشر يشتركون مع الثدييات الإجتماعية الأخرى في بعض الطبقات الداخلية للسلوك الأخلاقي” ، على أنهم يتميزون عنها في تخصصهم على مستويات عالية جدا من التعقيد الأخلاقي، فأين يكمن الاختلاف بين البشر والحيوان في المنظومة الأخلاقية ؟ .
قانون التنافس عند الإسود :
قد تُلاحظ عزيزي القارىء، أنه على الرغم من أن أعنف صراعات الحيوان داخل النوع، والتي دائمًا ما تتعلق بالتنافس على الإناث في مواسم التزاوج، يكون القتال غير هادف إلى القتل، فعندما يدخل أسد شاب هائم، في صراع مع أسد يتسيد زمرةَ من الإناث والأشبال، بهدف الحصول على أسرة دونها يموت الذكر الهائم من الجوع والتشرد، لأن الإناث هن اللائي يُجِدْن الصيد كفريق، يبدو الصراع بين فردين من القوى العظمى وحشيًّا ودمويًّا، لكنه نادرًا ما يسفر عن قتيل، فعند نقطة معينة يتوقف القتال، عندما يدرك أحد الأسدين قوة خصمه فينسحب، ويتركه المنتصر يمضي في سلام .
قانون القتال عند ذكور الظباء :
وكما بين الأسود التي تمثل وحوشًا لاحمة، يتكرر هذا الشكل من الصراع بين الحيوانات الكبيرة المُعشبة، حتى لو امتلكت أسلحة يمكن أن تقتل، مثلما لدى ذكور الظباء الناميبية ذات القرون الطويلة التي تشبه رماحًا مسنونة، فعندما يتصارع ذكران منها في تنافس على أنثى، يتحاشيان أن يطعن أحدهما الآخر بذلك الرمح القاتل، بل يتضاربان ويتلاطمان بالأجناب والأعناق والأكفال، حتى يدرك أحدهما أنه الأضعف، فينسحب، ولا يلاحقه المنتصر.
ومن الجدير بالتأمل أن قرون هذه الظباء تسقط بعد انتهاء موسم التزاوج، ثم تتجدد على مشارف موسم جديد، فهي منحة طبيعية تساعد الظبية على «الاصطفاء الجنسي» كدالة على قوة وحيوية من تختاره أبًا لنسلها، ولا يتجاوز الذكر استخدامها في ذلك .
ولو تأملنا قنعنا نظرية الاصطفاء الجمعي ضمن تعدد مستويات الاصطفاء الطبيعي في نظرية التطور، فإن سلوكيات الحيوان في حالات الصراع داخل النوع الواحد، تقطع بأن لدى الحيوان إدراكًا وعاطفة تقران بأن السلام أفضل من الحرب، وأن حفظ الحياة أفيّد للفرد وللمجموع، إن الحيوان لديه منظومة أخلاقية مبثوثة في تكوينه، يكاد لا يتجاوزها، لإن للحيوانات شريعة أخلاقية يعيشون بموجبها ويتقيدون بها تقيدًا أفضل من تقيد البشر بشريعتهم .
الختام :
لقد أتى الوقت لتصحيح هذا التشوه في إنطباعاتنا السطحية الفظة عن عالم الحيوان، لعلنا نستلهم من هذا العالم ما يضع حدودًا للجنوح الدامي في عالم الإنسان، ولو بالتوقف عن انتهاكات على الأقل، ما دمنا لا نستطيع إيقاف العجلة الجحيمية لهذه النزاعات التي ينذر هول تسليحها ليس فقط بسحق العزل والمُستضعفين في اندفاعاتها الجامحة والجانحة، بل بتدمير الحياة، كل الحياة، على هذا الكوكب، وبفعل قلة من غلاة البشر الذين ترقى عنهم فطرة الحيوان .
ولازاماً أن يكتشفُ الإنسانُ في أعماقِ ضميره وجودَ شريعةٍ لم يسنّها لنفسه ولكن عليه أن يخضع لها. إن هذا الصوت، الذي لا ينفك يُحرجه ليعملَ الخير ويحبّه ويتجنب الشر، يدوي في الوقت المناسب في صميم قلبه: “أصنع هذا وتجنب ذلك” لأن هذه هي شريعةٌ وضَعها الله في قلبِ الإنسان، وإن كرامته تقومُ بالخضوعِ لها لأنها هي التي ستحكم عليه .
وأدنى تلك الاشياء هى أن لايغتاب الإنسان أخيه الأنسان بشىء يكرهه .
قال تعالى : “أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ” . سورة الحجرات الآية 12 .
فالله قد حَرَّم على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء كما حَرَّمَ أكل الميتة، فهناك علاقة تحريم بين غِيبة الإنسان لأخيه وأكل لحمه ميْتَا فكلاهما مكروه وحرام، فما بالك قتاله ودمه وعرضه .
كما أن البشر يمتازون نوعيا عن الحيوان في امتلاكهم وتوظيفهم للغة يعبرون بها عن سلوكياتهم الأخلاقية، في الطرح الفكري للنميمة، والذي وضح فيه أن الأخلاق واللغة مرتبطان فيما بينهما، وأن هذه اللغة هي وسيلة تظهر بها تقييمات البشر لبعضهم البعض وتتجسد بها مختلف سلوكياتهم من غضب واحتقار وموافقة وتقبل .
ومع هذا فهل تنعدم هذه اللغة لدى الحيوانات ؟ .
عزيزي القارىء أترك لك الإجابة .