نبذه عن أبو الأسود الدؤلى ” الجزء الثانى “… إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع أبو الأسود الدؤلى، وهو الذى قام بتنقيط القرآن الكريم، وإن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، المنزل على نبيّه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وحيا بواسطة أمين الوحى جبريل عليه السلام، والمحفوظ في الصدور، والمكتوب في المصاحف، وهو المصدر الرئيسي للتشريع الإسلامي، وينقسم إلى ثلاثين جزءا، ويبلغ عدد سوره مائة وأربع عشرة سورة، وأن للقرآن الكريم أثر عظيم على النفوس، فهو شفاء لأمراض القلوب، كالشك، والحقد، والغل، والحسد، والرياء، والنفاق، فقد قال الله تعالى فى كتابة الكريم ” يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور وهدى وحمة للمؤمنين ” وكما إنه يهدي للأخلاق والصفات الفاضلة كالإحسان إلى ذوي القربى والمساكين، وبر الوالدين، والعدل في المعاملات، وأن القرآن الكريم لم يكتب منقوطا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم، ويرجع السبب في ذلك إلى كثرة اعتمادهم على التلقي والسماع، وعدم اعتمادهم على المصاحف في القراءة، بالإضافة إلى حرصهم على المحافظة على صورة الكلمة صالحة.
لكل ما ثبت من أوجه القراءات، كما رُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال “جرّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء” وقد اختلف المؤرخون في تنقيط الكلمات في اللغة العربية، حيث ذهب بعضهم إلى أن العرب كانوا يعرفون تنقيط الأحرف قبل الإسلام ليتمكنوا من تمييز الأحرف المتشابهة، ولكنهم تركوا التنقيط عند كتابة المصحف فى ذلك الوقت، وقال بعضهم الآخر إن التنقيط لم يكن معروفا قبل أبي الأسود الدؤلى، فهو أول من نقط الحروف، وأول من نقط المصحف الشريف، ثم اشتهر التنقيط في عهد عبد الملك بن مروان وأمر بتنقيط القرآن الكريم، وذلك بعد اتساع الرقعة الجغرافية للدولة الإسلامية، ودخول الكثير من الأعاجم في الإسلام واختلاطهم بالعرب، مما أدى إلى ظهور اللبس والإشكال في قراءة المصحف، وقد كلف الخليفة عبد الملك بن مروان، الحجاج بن يوسف الثقفي بمهمة تنقيط القرآن الكريم، فاستعان الحجاج بعالمين من خيرة علماء المسلمين، ومن تلامذة أبي الأسود الدؤلي، وهما يحيى بن يعمر العدواني، ونصر بن عاصم الليثي، الذين اشتهرا بالصلاح، والورع.
وسعة العلم في اللغة العربية والقراءات، فوضعا النقاط على الحروف المتشابهة من نقطة إلى ثلاثة، وإن القرآن الكريم منهج حياة للمسلمين، وسبيل عزتهم، وطريقهم إلى النصر، وقد خص الله يبحانه وتعالى، كتابه العظيم بالعديد من الخصائص، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى، بحفظه حيث إن القرآن الكريم محفوظ من الزيادة، والنقصان، والتحريف، والضياع، فقد قال الله تعالى فى كتابة الكريم ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” وقد أنزل الله سبحانه وتعالى، القرآن الكريم ليكون المعجزة الخالدة لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مصداقا لما رُوي عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال “ما من الأنبياء من نبي، إلا و قد أُعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، و إنما كان الذي أُوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة” وإن بعض العبادات الشرعية لا تتم إلا بقراءة القرآن الكريم، ومنها الصلاة، وقد قرن الله سبحانه وتعالى، في العديد من مواضع القرآن الكريم بين الصلاة وقراءة القرآن، ومنها قوله سبحانه وتعالى ” أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا “
وقد اختلف أهل اللغة في سبب تسمية القرآن الكريم بهذا الاسم، حيث ذهب الإمام الأشعري رحمه الله، إلى أن كلمة قرآن مشتقة من الفعل قرن، بمعنى ضمّ الشيء إلى شيء آخر، وأن سبب تسمية القرآن بهذا الاسم ترجع إلى أنه مكوّن من سور وآيات يضمّ بعضها بعضا، وقيل إن كلمة القرآن مشتقة من القرء بمعنى الجمع، لأن القرآن الكريم يجمع أنواع العلوم، ويجمع ثمرات الكتب السماوية كلها، وذهب الإمام الشافعي رحمه الله، إلى أن كلمة القرآن اسم علم على كتاب الله، وليست مشتقة، كما إن الإنجيل اسم للتنزيل الذي نزل على نبى الله عيسى عليه السلام، والتوراة اسم للكتاب الذي نزل على نبى الله موسى عليه السلام، ويذكر المؤرخون أن أبو الأسود كان له ولدين، هما عطاء وأبو حرب، فأما عطاء فكان على شرط أبيه بالبصرة، ثم بعج العربية هو ويحيى بن يعمر العدواني بعد أبي الأسود، ولا عقب لعطاء، وأما أبو حرب فكان عاقلا شجاعا، وقد والاه الحجاج بن يوسف الثقفى جوخا، وكان عقب أبي الأسود منه، وقد توفي أبو الأسود الدؤلي بعد إصابته بمرض الفالج، أو ربما بمرض الطاعون الجارف.
حيث أُصيب بالفالج في الأيام الأخيرة من حياته، وهذا المرض تسبب في إصابته بالعرج، وفي أيام خلافة عبد الملك بن مروان عام تسعة وستين من الهجرة، كانت وفاة أبو الأسود الدؤلي حيث في العام ذاته إنتشر مرض الطاعون، وقد رحل عن عمر بالغ خمسة وثمانين عاما، وكانت وفاته في محافظة البصرة العراقية، وكان أبو الأسود مشهورا بالفصاحة وقد قال عن نفسه، إني لأجد للحن غمزا كغمز اللحم، وكان أبو الأسود الدؤولى قاضيا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، واستمر كذلك في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتجب الإشارة إلى أنه كان كاتبا في مدينة البصرة التي كان يسكن فيها، وكان أمير البصرة آنذاك عبد الله بن عباس، فولى ابن عباس أبو الأسود الدؤولى القضاء فيها، وعندما انتقل إلى مدينة الحجاز جعل خلافة الإمارة في البصرة بيد أبو الأسود الدؤولى فأقرها علي بن أبي طالب له، وأصبح أميرا على البصرة، وقد اتفق العلماء على أن ميلاد أبو الأسود الدؤلى كان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن سنة الميلاد ظلت مجهولة بالنسبة لهم.
ومن هؤلاء العلماء ابن كثير، والذهبى، والعسقلانى وقيل أنه وُلد الدؤلي في الجاهلية قبل الهجرة النبوية بستة عشر عاما، وقد أقرّوا أنه قام بتنقيط أواخر الكلمات في القرآن الكريم إثر ما حدث من فساد في الّلغة العربية الصحيحة، إذ اختار لهذا كاتبا ماهرا من بني عبد قيس، واتفق معه على نهج معين في الكتابة حتى وضع مقياسا معتمدا استنبطه من كلام العرب، وأكد الزبيدى هذا في كتابه طبقات النحويين واللغويين قائلا ” هو أول من أسس العربية ونهج سلبها، ووضع قياسها، وذلك حين اضطرب كلام العرب”، لذلك كان التنقيط الذي وضعه أبو الأسود الدؤلى المبني على وضع الحركات في موضعها الصحيح ذا أهمية بالغة في معرفة المرفوعات بالضم، والمنصوبات بالفتح، والمجرورات بالكسر، ووسمها بالدلالات التي تميز كل واحد منها، كأن تكون المرفوعات للدلالة الفاعلية، والمُبتدئية، والخبرية وهكذا، والجدير بالذكر أن تلامذة أبو الأسود الدؤلى لم يقفوا على القواعد والضوابط الموجزة التي أوجدها معلمهم بل اعتبروها بذرة علم النحو وأضافوا عليها لتصبح أكثر نضجا وثراء، فهذا عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي يكتب في الهمز ودلالته.
أما عيسى بن عمر فقد ألف كتابي الجامع والكمال، فيما شرح سيبويه كتاب الجامع، وبسّطه وزاد عليه من كلام الخليل وغيره، والجدير بالذكر أن الروايات التي تنسب الوضع الأولي لعلم النحو، تروي أن ألإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو أول من وضعه، وذلك يعود للروايات التي جاءت على لسان أبو الأسود الدؤلى نفسه، والتي رد فيها أساس هذا العلم لعلي بن أبي طالب، لا سيما عندما سُئل عن النحو ومن أين أتى به، فأجاب قائلا ” لفقت حدوده من علي بن أبي طالب رضي الله عنه” وكان أبو الأسود الدؤلى كلما صنف بابا في النحو عرضه عليه رضي الله عنه إلى أن وضع الضوابط العامة لعلم النحو، مما يدفع الباحث للقول بأن أبو الأسود الدؤلى كان له الفضل بإيجاز الدلالات المختلفة لكيفية نطق الكلام بشكل صحيح، وعلى صورة بسيطة للابتعاد عن اللحن الذي وجد في عهده، ولحاجة الملوك في ذلك العهد لفهم النصوص القرآنية واستنباط الأحكام منها، ومن قصص اللحن التي دفعت الدؤلي لأن يفعل ما فعل ما حدث له مع ابنته التي أخطأت في التعبير حين قالت “ما أشدُ الحرّ” قاصدة التعجب، فصحح لها أبوها ذلك