كتبت: سالي جابر
“مأساة الحب الكبير ليست في موته صغيرا، بل في كونه بعد رحيله يتركنا صغارا.”
عبارة الكاتبة الجزائرية “أحلام مستغانمي ” والتي تبرز باختصار حياة كل شخص وجد في الحب ضالته؛ لكن تركه الحب صغيرا، تارة يجلد ذاته ويعذبها على ما فعل، وتارة يجد مسببات واهية لما فعل بنفسه، فبدلا من أن يقوى بقوة الحب، كانت السبب الأقوى لتضعفه، دائما ندرك أن الحب مفتاح الحياة، فتكون الحياة ممتلئة بمشاغلنا وأعمالنا ونكون سعداء بها، لكننا عندما نجد الحب؛ نخضع له ونراه يكملنا، وكما قال”جلال الدين الرومي”:
حياتك حافلة، ممتلئة، كاملة، أو هكذا يخيل إليك، حيث يظهر فيها شخص يجعلك تدرك ما كنت تفتقده طوال هذا الوقت، مثل مرآة تربك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته، الروح التي تكمل روحك.”
فالحب حالة شعورية هادئة، تبعث فينا الروح، تمدنا بالطاقة للتعامل الجيد مع كل ماهو سئ، هو رؤية الحقيقة المرة مع قليل من السكر، وحفنة من عطر الياسمين، الحب هو الحياة.
وإن كان هذا هو الحب، فماذا يحدث بنا ليتركنا صغارا هكذا؟! لم نضعف أمامه إلى الحد الذي نجلد فيه ذاتنا؟!
لم يكون داخل القلب أسلحة دمارنا؟!
متى تكون كفة الحب هي الراجحة؟!
هل الحب الذي نعيشه هو الترياق لكل السموم، التي تعتري حياتنا؟!
يستطيع الحب أن يخرس الضجيج الناتج عن كم المشاكل الملقاة على كاهلنا، يجعلنا نرى أنفسنا أسوياء، أقوياء، نستطيع تحديد كل شئ، هو القوى العظمى في هذا العالم.
هذا ما أكدته كل الدراسات النفسية، بداية من إشباع احتياجاتنا الأساسية، مرورا بالأمان، وصولا إلى تقدير واحترام وحب الذات، نجد ذلك جليا واضحا في “هرم ماسلو”، وفيما أكده “د/محمد طه”- الطبيب النفسي الشهير – حين قال:
” إذا كان فيه أي حاجة ممكن تشبع كل الاحتياجات الأساسية لأي بني آدم في الدنيا، فهي حب حقيقي صادق غير مشروط، وإذا كان فيه دواء شافي لكل الأمراض النفسية من القلق، وحتى الجنون ذاته، فهو حب خالص من القلب.”
هاهي قيمة الحب الصادق غير المشروط، أما الحب الذي تسأل فيه نفسك، هل هو حقيقي أم لا؟!
هل يحبني فعلا أم لا؟! وتقف أمامه حائرا، فهو حب مشروط، شخص يحبك بمقابل، ويبدأ هذا المقابل في الظهور عندما يضمن بقاءك، ثم يبدأ في الابتعاد، وبصورة غير متوقعة؛ لذا تكرر العديد من الفتيات عبارة” ينفع متسيبنيش” كلمات ثقيلة على أي فتاة، وبعد أن تفيق من خمر الحب؛ تعترف لنفسها بالخجل من هذا الضعف الذي اعتراها، والذي كان سببه هو قوة عاطفة المرأة، التي تفوق عاطفة الرجل أضعافا مضاعفة، فهي لم تضع حدودا لهذا الحب، بل تركت له العنان حتى يلامس السماء، يتراقص فرحا عند رؤية الحبيب، هذا إلى جانب قدرة الرجال- إلا القليل منهم- على الابتزاز العاطفي لمحبوبته، فيخيرها بينه وبين أصدقائها، أو عملها، فتتحول إلى قلب ضعيف، يبحث عن الحب، فتوافقه وتتفرغ له ولحبه فقط، تصبح حياتها خالية إلا منه، فيضحى ذلك يزعجه منها، فهو مستغرق في عالمه وعمله وأصدقائه، بعد أن أفرغ عالمها؛ فتنهار، وتضعف أمامه؛ خوفا من فقدانه، تستشعر تغيره بعد أن امتلك، ودون أن تدري ينطق لسانها “ينفع متسيبنيش”، وتتغير حياتها بعد تلك الكلمات، فإما أن يزداد تمردا؛ ليقينه بضعفها، وضمانه بقائها، أو يحاول تهدئة قلبها واحتضانه، إما إن يكون رجلا يعرف معنى الحب، أو يكون شخصا غير سوي، ترهقه سلبيات طفولته المشوهة؛ نتيجة تربية خاطئة أرغمته على حب مشروط، حب غير صحي، فالحب الصحي له قواعد وشروط، وأي علاقة صحية لها مبادئ، تستطيع من خلالها الوصول إلى تقدير ذاتك، وإن كان “الحب جنون” كما قال ” شكسبير” ، وإن كان بلا سبب كما قال ” باولو كويلر” “يحب المرء لأنه يحب، فلا يوجد سبب للحب” ، وإن كان ليس له تفسير كما قال ” الرومي”:
” الحب لا يمكن تفسيره، ولا يمكن إلا معايشته واختباره، ومع إن الحب لا يمكن تفسيره، فهو يفسر كل شئ.”
وأن كان ليس له قانون كما ذكرت”مي زيادة” ” يمكن أن نضع قوانين لكل شئ باستثناء الحب، لا يمكن أن يكون تحت أي قانون.”
إلا إنه يستطيع تغييرك كما وضح “شمس التبريزي” حين قال:
” كل قصة حب وصداقة حقيقيتين، هما قصة تحول غير متوقع، ولو بقينا ذات الشخص، قبل أن نحب وبعده؛ فهذا يعني أن حبنا غير كاف.”
إذا رأيت في الحب كل هذا؛ فاعلم أنه ترياق السموم، علاج لكل الأمراض، مفتاح الحياة، حاول أن تتأكد أن العلاقة التي تورط بها قلبك علاقة صحية، وإلا فلا تكمل الخوض فيها؛ بحيث لا تتمكن من العودة.
وعن مبادئ العلاقة الصحية قال “د/محمد طه”:
” هي علاقة غير مغلقة على اتنين فقط، بمعنى أن لا أحد من الطرفين يعزلك عن العالم، وألا يكون أحد ملكا للآخر.”
نعم..تكون علاقة لشخصين يجيدان الاستمتاع ببعضهما البعض، وهذا دليل على كونه متفهما لك، ومهتما بك، يشعر بوجودك ويقدره، يقبلك ويحبك بلا شروط، والقبول هنا لا يعني أن يتقبل أخطاءك بدون تصليح، إنما أن يتقبل تلك الأخطاء والعيوب، مع استعداد لتقديم المساعدة لك كي تكون أفضل، لا يحكم عليك، لا ينصب نفسه قاضيا أمامك، لا يرتدي ثوب المحقق، أو الواعظ الديني والأخلاقي، بل يشاركك الأمور ويضع نفسه مكانك.
إذا وجدت كل هذا فيمن تحب؛ فعليك بالتمسك بهذا الحب، والاستمرار فيه، فالحب الذي يساعدك على تقبل نفسك، ومحاولة النهوض بها، هو حب حقيقي، الحب الذي ترى فيه عيوب الآخر مع تصحيحها، هو الحب المرتجى حقا.
ابحث عن التغير الناتج من هذا الحب، ارض عنه، واعلم أن الأشياء لا تأتيك مكتملة، بل تكتمل برضاك عنها وبها.