بقلم: شروق صالح
“هل أستحق لقب إنسانة؟!
لا أتوقع ذلك، فما ارتكبته لم يكن خطيئة واحدة حتى تشفع لي.
ولا أتذكر أنني أمتلك مميزات لإخفاء ما ارتكبته من تلك الخطايا السبع وجميعهم أعظم من بعضهم البعض، حينها فقط لن يستطيع أحد معاقبتي إلا الله، لأنهم لا يعلمون ما فعلت إلى الآن، وحتى إن علموا سيطلقون عليّ لقب طاغية إلا أنني قررت معاقبة ذاتي بيديّ وستكون هذه الورقة هي دليل إدانتي، والتي ستزج بي في السجن أو ربما الإعدام لا أدري.”
خرجت هذه الكلمات من فم فتاة ذات شعر أسود طويل ترفعه على شكل ذيل الحصان، تبدو في أواخر العشرينيات جالسة على مكتب عليه مجموعة من الأوراق التي تكتب داخلها وبجوارها مجموعة من الصحف…
تنهدت وهي تمسك القلم بيدها اليمني وتكمل كتابتها.
“قصتي ليست كأي فتاة، فأنا تلك الفتاة ذات الوجه الملائكي، والضحكات الرقيقة، والتي لا يتصور بأنها قد ترتكب كل هذه الأخطاء،
أو حتى أنها ترتكب مجرد خطأ بسيط،
احترت كثيراً بأيها أبدأ.
منذ بداية وعيي بالعالم وأنا فتاة يطلقون عليها لقب كسولة.
كنت تلك الطفلة التي لا ترغب ببذل أي جهد في حياتها، في الحقيقة لم يكن الكسل يشكل خطراً عليّ ولم أهتم بحديثهم.
فجأة تغير كل شيء بلحظة حين التحقت بالمدرسة.
فعلى الرغم من الكسل المعروف عني إلا أنني كنت محور اهتمام والداي وجميع أفراد العائلة، لكن الأمر مختلف بالمدرسة…
الجميع ينعتني بالكسولة ولم يعيرونني أي اهتمام…
في تلك الأثناء كنت أراقب “أسيل” تلك الفتاة التي يحبها الجميع،تساءلت كثيراً حينها لما يفضلونها عني ويحبونها !
فلقد اعتدت عندما أتواجد في مكان أن أكون موضع اهتمام الجميع.
لم أعلم حينها أنني مغرورة أيضاً…
مرت السنوات ومازلت غاضبة منها إلى أن التحقت بالمرحلة الإعدادية حينها فقط قررت الانتقام منها فبدأت بتخريب أغراضها وإطلاق الكثير من الشائعات عليها، وغيرها من الأفعال المسيئة إلى أن كرهها الجميع ولم تعد تلك الفتاة المحبوبة، وانتهى بها المطاف بانتقالها من المدرسة.
أعلم أنكم ستقولون بأنني كنت طفلة آنذاك وهذه نتيجة تدليل والداي لي لكن الموضوع لم يكن كذلك.
مرت الأعوام وها أنا قد تخرجت من كلية الإعلام وظننت أن هذا كله سيكون من الماضي، لكن اتضح أنني أعيش في وهم كبير.
عملت بإحدى المحطات الإعلامية.
فقد كان حلمي منذ زمن بعدما عالجت ذلك الكسل اللعين الذي سود حياتي.
بذلت طاقتي كلها في العمل حتى أنني كنت أعود إلى المنزل في أوقات متأخرة ولم أكن أشعر بجسدي حينها من شدة التعب، لكنني كنت سعيدة لأول مرة في حياتي..
وأخيراً أصبحت أبذل جهداً ولن يتجرأ أحد نعتي بالكسولة.
وفي إحدى المرات أثناء الدوام أعلن المدير عن اجتماع عاجل للجميع.
ذهبت إليه والفضول يأكلني…
جلسنا وما من دقائق حتى أعلن عن برنامج جديد وآدم هو الإعلامي لهذا البرنامج بسبب اجتهاده في العمل وأنه لا يدخر وقتاً ولا جهداً…
وقع هذا الخبر وقع الصاعقة عليّ فهو لم يكن يبذل ربع مجهودي لكن ماذا عساي فعله؟!
فقد كان آدم هو المفضل لدى مديرنا.
شعرت بغضب عارم وأبديت اعتراضي بطريقة فظة، وسببت ولعنت اليوم الذي أتيت فيه إلى هنا، فما كان من المدير إلا أن طردني.
غادرت وأنا أتوعد لهما، فكيف يجرؤ الأول بشغل المكان الذي أستحقه وكيف يتجرأ الآخر على طردي!!
عدت لمنزلي ولم أتحدث مع أحد لمدة يومين…
فيما بعد علم أبي بهذا الأمر وطلب مني العمل ككاتبة صحفية لدى جريدة إحدى أصدقائه، ريثما يجد لي العمل الذي يليق بي…
اعترضت في بادئ الأمر وبعد تفكير وجدتها فكرة لا بأس بها، وبالفعل عملت لدى صديق أبي لكني لم أنس للحظة ما اقترفاه في حقي وكيف حطما أحلامي.
مر شهر على تلك الحادثة وأنا أخطط للإنتقام منهما، أعمى الغضب عيناي وملأ فؤادي…
ذهبت إلى تلك المحطة وانتظرت مغادرة الجميع.
بالطبع تأكدت من تعطيل جميع كاميرات المراقبة، وكل ما احتجته هو الدخول بهدوء من الباب الخلفي ولتر من البنزين، عود كبريت وألقيت بهما في تلك الغرفة التي يجلسان بها في الطابق الرابع، ركضت بسرعة…
وما من لحظات حتى انفجر المكان وعلت النيران.
شعرت بسعادة غامرة تملأ فؤادي وارتفعت نسبة الأدرينالين، وعلت ضحكاتي كالمجانين وأنا أغادر المكان .
كنت أود قتلهما بطريقة أبشع من هذه إلا أن فعلتهما لم تستحق مني أكثر من ذلك.
ولم تتوصل الشرطة للفاعل فقيدت القضية ضد مجهول.
منذ تلك الحادثة وروحيهما تلاحقني في نومي… لم أكن أشعر بالخوف منهما إلى أن ظهرا أمامي وأنا مستيقظة، أصبحت أراهما، أسمعهما وهما يتفقان على قتلي، وأنني يجب أن أطيع أوامرهما وإلا سيقتلانني فعلاً…
أعرف أنكم ستقولون عني مجنونة، لكن هذا ما حدث.
بدأت بتنفيذ أوامرهم التي كانت في بادئ الأمر طبيعية لكن مع مرور الوقت أصبحا يطالباني بقتل أشخاص قد آذوهما في الماضي.
رفضت ذلك بشدة إلا أن آدم كان سيقتلني بالفعل فوافقت وبدأت سلسلة جرائمي التي لم تكتشف إلى الآن.
في بادئ الأمر كنت أنفذ الأوامر حفاظاً على حياتي لكن اتضح لي بعد ذلك أنني أقتل بشهوة ورغبة دفينة داخلي فأنا أستمتع برؤية الدماء، سماع صرخات الضحايا
لدرجة أنني يصيبني الاكتئاب عندما لا أقتل أحدا لمدة أسبوع!!
تحولت منذ تلك اللحظة إلى إنسانة تسيطر عليها شهوتها وشراستها لرؤية الدماء وسماع الصرخات…
بعد مدة.. قُتل والداي في ظروف غامضة وكأن القدر يعاقبني على جرائمي، وإلى الآن لا أعلم قاتلهما، لكن بكل تأكيد سأكون أنا السبب فلو لم أكن بذلك السوء لما قتلا وتركاني وحيدة…
وانتهى بي المطاف إلى ذلك الطريق فأصبحت قاتلة مأجورة بعدما ضيعت كل ما ورثته عن والداي.
لا أنكر أن عملي في الجريدة كان يؤمن لي حياة كريمة لكن الجشع دفعني لقبول تلك العروض وأصبح قاتلة مأجورة .
تلك هي قصتي مع خطاياي السبع:
الكسل والغرور اللذان دفعاني لحسد فتاة لم يكن لها أي ذنب سوى أنها مجتهدة، ثم الغضب الذي غمرني ودفعني لقتل اثنين لتسيطر عليّ فيما بعد شهوة ليست كتلك الشهوة المعروفة، وشراسة بشعة لأنتهي بالشجع فيما بعد.
عندما تُنشر اعترافاتي غداً في الجريدة سأكون ميتة لا محالة، فأنا لن أنتظر عاقب الشرطة أو نظرات احتقار واتهام ممن حولي.”
وضعت القلم وغادرت المكتب وهي تعطي الورق للعامل قائلة “رئيس التحرير يطلب منك إرساله للمطبعة فوراً”
غادرت المكان متجهة لمنزلها، توجهت للمطبخ وأخرجت سكين فظهر أمامها آدم والمدير فتحدثت قائلة “ابحثا عن غيري فلقد انتهت حياتي الآن”
ثم دبت السكين في قلبها والدموع تنهمر من عينيها.