بقلم : هناء علي
عمتي أو خالتي كما كنت أدعوها ،وذلك لقربها من أمي ،ولأن أمي أخت وحيدة لثلاث أشقاء ؛
عمتي .. تلك المرأة البسيطة ؛التي لم تكن تملك من الدنيا إلا لسانا عذبا ،وروحا طيبة .
يحبها الجميع ،ويمتليء بيتها دوما بأصناف من البشر لايملون حديثها.
وكانت أمي طباخة ماهرة ،تأتينا العمة وأبنائها ؛ ليجدوا عندنا ما لذ وطاب، أما نحن؛
فكان بيت عمتي ملجأ لنا للسهر والسمر ،وتجاذب أطراف الحديث مع من نعلم من أحبائها ،أو من لا نعلم.
وكنت أهرب دوما من تلك الجموع ؛وأتسلل خلسة إلي شرفة عمتي ، تلك الشرفه التي شهدت تأملاتي المحدودة.
فهذه البيوت القديمة المواجهة للشرفة تحتوي علي العديد من الأسرار ..
ففي البيت الأول تقطن سيدة ذات لكنة صعيدية شديدة ؛وهبها الله خمس من البنات الجميلات ،ومازالت تتطلع لإنجاب الولد ؛حتي ترضي زوجها وعائلته .
أما في البيت الثاني ؛فتجد هذا الأب الصارم شديد اللهجة والجدية؛ الذي يعمل بالجيش ،لايناقش أحدا، فهو ديكتاتور أعظم، بيته صامت لا روح فيه ، ولا تعلوه الضحكات ،تهرب منه ابنتيه مع أول من يطرق بابهما للزواج ؛للتخلص من رتابة العيش ،ولم يبقي معه إلا ولد واحد بائس صغير ،مع تلك الزوجة الصامدة.
وذلك البيت الثالث؛ لأب وأم ثكالي لايمتلكون إلا ابنا واحدا مات منتحرا ؛لأن أبواه لم يسمحا له بتغيير ديانته .
وهكذا انظر .. وأتأمل..وأسرح في حواديت البيوت ..ولكن دوما كان يتعلق نظري بهذه الغرفة …
غرفة سطح بعيدة لمنزل عالي.. أتخيلها غرفتي ؛وأحلم كثيرا بعقلي المتأمل ،ألا أسكن سوي تلك الغرفة .. أتخيل أثاثها وفرشها ومن يبادلني العيش بها،وهكذا ظللت أذهب إلي بيت عمتي..وأتطلع إلي الغرفة الصغيرة .. وأبني الأحلام تلو الأخرى…… حتي لم أعد أهتم سوي بتلك الغرفة ولا أعبأ بغيرها..
ثم….
ماتت عمتي ..وماتت معها الضحكات..وأحلام الصبا ..وكل شيء جميل اعتدت أن أراه من شرفتها..
وماعدت أتطلع إلي تلك الغرفة .. ولا إلي سواها .. بل ماعدت أذهب إلي ذلك البيت
رحم الله عمتي …..