كتبت: سالي جابر
لم يكن الطلاق أبدا حلا، بل سببا لأزمة جديدة لها، حين وجدت نفسها في أواخر العشرينيات، تعيش وحيدة مع طفلها، تحاول تربيتة بطريقة إيجابية، تعاني معه، كيف تجد الوقت للاهتمام به؟! تعالجه من أمراض سببتها له حياتها ووالده، جلسات علاجية لمشاكل كلامية، تهتهة وتلعثم، والتي لن تجد طريقها إلى الشفاء، إلا بالتخلص من المسبب النفسي لها، لذا فهو يحتاج إلى جلسات نفسية إلى جانب جلسات علاج النطق والكلام .
ذات يوم شتوي قارص، صاحت الأم في طفلها قائلة:
” ارتدي حذاءك، لا أملك مالا فلا تمرض.”
كم لهذه الجملة من وقع عليل على النفس! تأثيرها أخرج السيف من غمده، فأصبحت سلاحا ذا حدين، يهاجم الأم والطفل معا، فقد أدركت قيمة المال، عرفت خفقان القلب عندما يمرض الابن، ولا تجد المال لعلاجه، وتصور الابن بدوره، عدم خوف الأم عليه- ظنا منه لحداثة سنه ليس إلا- فقالت في نفسها:
ليتني تحملته، ولم أطلب الطلاق، فقد أوقعت نفسي في بئر عميق، ولم أجد من يمد لي الحبل، أقف وحدي الآن على حافة الطريق حافية القدمين، بلا مال، أبحث عن عمل آخر لأربي طفلي، لكن أين أتركه خلال فترة عملي؟!فأمي تنزعج من تصرفات ابني الطفولية، ولا تستطيع مساعدتي ماديا، ماذا أفعل؟!
وقفت الأم حائرة بين ماض مؤلم، وحاضر مزعج، ولا أخفي عليكم هذا حال معظم النساء، التي يتم طلاقها، ترثي حالها وتجلد ذاتها، وهناك أخريات تريد الطلاق، لكنهن لا يجرؤن على طرح الفكرة خارج صندوق عقلها، وتتحمل الإهانة والمسئولية كاملة.
وعلى الصعيد الآخر، نجد من تفكر خارج الصندوق، أرادت الخروج عن النص، وكأن الطلاق هو القرار الصائب، فأدارت عجلة الحياة، حتى تعطي لنفسها حرية الاختيار، فكرت في شكل حياتها بعد الطلاق، هل ستستطيع أن تعمل؟! تربي أطفالها جيدا، تكون لهم أما وأبا في نفس الوقت، تعطي الحب والحنان، والحزم والقسوة، إن لزم الأمر !
فقررت أن تبدأ المشوار مع ذاتها أولا ، قبل خروج الفكرة إلى النور، اشتغلت على نفسها، قومت سلبياتها، ركزت على إيجابياتها، حتى وصفها كثيرون بالقوة والجمال، والروح الحاملة لمفاتيح السعادة.
وبعيدا عن كل تلك الأنماط، كثيرا ما سمعنا عبارة( احلوت بعد الطلاق)
ترى ما السبب؟!
إن المرأة المطلقة ذات ثقة عالية بنفسها، ذلك لأنها تخرج من تلك المحنة تبحث عن ذاتها، تحسب خسارتها، تعاني الألم، تواجه مجتمعا ذا فكر عقيم، فتحاول دائما تنفيذ خطة محكمة لاستعادة توازنها وقوتها، تبدأ بالاهتمام بذاتها من الداخل والخارج، تهتم بجمالها ومستواها الثقافي، والغالبية العظمى منهن، تحاول اكتساب مهارات جديدة.
وفي كل الأحوال، فالأكيد أن المطلقة سواء طلقت بهدوء أو عن طريق المحاكم، فهي عانت الأمرين.
وفي استطلاع رأي عن الزواج بعد الطلاق، ترددت عبارة بين المطلقات وهي:” الحياة تبدأ بعد الطلاق” فكانت بمثابة دعوة واضحة وصريحة، لأن تكون جولتك الثانية جيدة، وأنه عليك بالاختيار الصحيح، والابتعاد عن كونك زوجة ثانية؛ فإنك بذلك تحطمين قلب امرأة أخرى، تعيش حياة سعيدة مع زوجها وأبنائها، أيضا فالرجل المطلق يحن دوما إلى زوجته السابقة، وقد أثبتت ذلك العديد من الاحصائيات العالمية، ففي اليابان مثلا، نجد أن 66% من الرجال يختارون زوجاتهم السابقة، اذا ما قرروا الزواج مرة أخرى، أما في فرنسا، أبدى 86% من المطلقين ندمهم على الانفصال عن زوجاتهم السابقة، وفي بولندا، اختار 79% من الرجال عقد قرانهم على زوجاتهم السابقة، أما في أمريكا فكانت نسبة من يرغبون في الزواج مجددا من مطلقاتهم 93%.
كان ذلك بسبب الحنين إلى العشرة القديمة، العشرة الطيبة التي لا يجدها الرجل إلا مع زوجته الأولى، التي وقفت بجانبه، وتحملت معه، فاعلمي دائما عزيزتي، أنك مصدر الحب والعطاء.
أما الرجل الذي أحب مطلقة، وتردد في الزواج منها فعليه، أن يتفهم أن هذه المرأة لم تفتعل المشاكل؛ فهي تعلمت أن تختار معاركها بوعي، لأنها ببساطة تبغي السعادة، وأنه سيجد فيها من القوة والمسئولية ما يجذبه إليها؛ فقد تحملت ضغوطا كثيرة لتكملة مشوارها.
ويبقى السؤال الأهم، الذي لا يجيب عنه سواك ..من أين تبدأين لتقوية نفسك، والاهتمام بذاتك، والانتصار بهذه المعارك، والفوز بنفسك وأطفالك؟!