كتب / شريف مصطفى
كنت دومًا آخذه باعتبار الابتلاء الذي لا خير فيه ولا رجاء من ملامحه، أقبل وجوده بجبرية سلبية ولم أفكر يومًا في التحقق أو التأمل، لكن ببعض الفرائض الجديدة توصلت إلى مفاهيم مُرضية حتى لو كان رضا جُزْئِيًّا، أتحدث عن الاختلاف.
الاختلاف في كل شيء، في السماء والأرض، في الذكر والأنثى، في الخصب والجدب، لطالما تساءلت لمَ لا تصير الأرض كلها خصبًا؟ لمَ لا ينقلب حال البشر إصلاحًا؟ والحكمة في وجود ما يكسر جمال الطبيعة الفطري؟ لا أخفي عليك لم أتوصل إلى الحكمة كاملة؛ فقد أخفاها الرب نفسه عن ملائكته لما سألوه عن سبب خلقنا، لكن ما توصلت إليه هو وجود درب لتقبّل الاختلاف بما لا يكسر الجمال، فلمَ لا أرى كل ما هو مختلف على أنه جميل مستقل؟
لكلٍّ سبب ولكلٍّ غاية، وما من ظلم يستدعي اتفاق البشر في كل الأنصبة، فالسمينة خُلق بداخلها جمال يأسر القلب قبل أن ترى العين الوزن، والقصير له من تساويه وله خفة ظل لا تخبو روح طفولته، والعاقر لها قلب أم يسع كل أبناء الكون، والضرير يسمع الأصوات بحفيف الأنغام، هذا ما بدأت أفكر فيه.
إذن فما هو المقياس؟ ما هي المثالية؟ الوزن ولون الشعر والنسب ما القياسي في كل منهم؟ صدقًا لم أرَ في حياتي شخصًا ناجحًا بالمثالية، بل هي تراكمات من نقائص تُكسبه رغبات تدفعه إلى الاختلاف والتميز.
لم أعد أرى حاجة إلى إلغاء أي اختلاف أو تقليله؛ فالبشر متعتهم في اختلافهم وراحتهم في تقبّلهم، فلا حاجة للطلب من سمين أن يفقد بعض وزنه، ولا حاجة للطلب من أقرع زرع الشعر، فلنتخلّ قليلًا عن تلك النظرة الشابة المثالية الرعناء ولنرَ كل اختلاف جميلًا، فلا تبدّل الشخصية ولا الجسد ولا الأهل بمقدار ذرة؛ فلست أقدر من رب الكون الذي أوجده خليفةً له بكل تفاصيله الأولية والمكتسبة.
أنا لا أطمع إلا في كنز التقبّل؛ فهو أسلم وأبسط الرؤى للجمال، وإن كان جمال الجنة فيما لم يخطر على قلب بشر فجمال الدنيا في تقبّل اختلاف البشر.