”
إعداد / محمــــد الدكـــــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع إبراهيم أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توقفنا عندما بويع أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضى الله عنه، وخالفه معاوية بن أبى سفيان بالشام، وسار طلحة والزبير إلى البصرة، فقال أبو رافع “هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سيقاتل ععلى بن أبى طالب قوم يكون حقا في الله جهادهم، فباع أرضه بخيبر وداره، ثم خرج مع أمير المؤمنين الإمام على بن أبى طالب وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة “وقد زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مولاته سلمى، فولدت له عبيد الله بن أبي رافع، وكانت سلمى قابلة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت معه صلى الله عليه وسلم غزوة خيبر، وهنالك كثير من الكلام في بيان شخصية هذا الصحابي الجليل والحديث عنه لا تكفيه هذه السطور، فهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مع الخدم خير معاملة، فكان يقابل الإحسان بالإحسان والثناء، أما في حال الوقوع بالخطأ منهم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليّنا رفيقا معهم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها، أنها قالت “ما ضرب رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، خادما، ولا امرأة قط ” ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه، فيقول ” خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لي لشيء لم أفعله، ألا كنت فعلته؟ ولا لشيء فعلته، لِمَ فعلته” وكان صلى الله عليه وسلم، يوصي أصحابه بالإحسان إلى الخدم، والعفو عنهم، وعدم الإساءة لأي منهم، وقد ساوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين الخادم والأخ، فقال صلى الله عليه وسلم ” إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت ايديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ” وإن الله تعالى، قد يبتلى الإنسان بما هو عليه.
فجعل الخادم خادما، والسيد سيدا، ومن الممكن أن تنعكس الأمور فيصبح الخادم سيدا، والسيد خادما، فهو أمر لا يملكه الإنسان، لذلك كانت هناك ضوابط يعامل بها السيد خادمه كأخاه، فيطعمه، ويلبسه، ولا يكلفه بما لا يستطيع، ويعينه، ثم إن كفارة ضرب الخادم في الإسلام هوعتقه، فقد ضرب أبو مسعود الأنصاري خادما عنده، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، خلفه يرشده بأن الله تعالى، أقدر عليه من خادمه، فخاف أبو مسعود من ذلك وأعتق خادمه لوجه الله عز وجل، فبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لو لم يعتقه لمسته النار، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، بهذا النهج مع كل من يضرب خادما له، وجُعلت الكفارة عتقه وتركه، وقد تأثر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، بهذا النهج القويم، وانعكس ذلك على تعاملهم مع خدمهم، فهناك من لم يفرَّق بينه وبين خدمه، لما بينهم من التشابه الكبير وجلوسهم مع بعضهم.
مثل عبد الرحمن بن عوف، حيث إن من كان يراه لا يميّز بينه وبين خدمه، ومنهم من أَلبس خادمه حُلة كحُلته، كأبي ذر الغفاري، ولا ينحصر هذا الرفق مع الخدم في الأفعال، وإنما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق في الأقوال أيضا، فأمر صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن لا ينادي أحدهم خادمه بعبدي وأَمتى، بل يناديه غلامي أو فتاي، وقد شمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخدم في وصيته عند موته، فقال صلى الله عليه وسلم “الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة وما ملَكت أيمانكم” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ” ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئا قط بيده ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد فى سبيل الله ” وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، قدوة للناس، وأسوة حسنة في تعامله وأخلاقه، وقد وصفه الله عز وجل، في كتابه بأنه صاحب الخلق العظيم، والسراج المنير الذي جاء بالوحي والرسالة.
ليخرج الناس من ظلمات الشرك والضلال إلى نور الهداية والتوحيد، والمتأمل في سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يدرك كثيرا من الدروس والعبر في نهج حياته وسيرته العطرة، ومن بين تلك الدروس التي يستفيد منها المسلم ويهتدي بهديها هو كيفية تعامله مع أعدائه، فما هي أبرز خصائص تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار؟ ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم، نصب عينيه هدف هداية الخلق أجمعين، فحرص على التعرض لزعماء الكفار في الأسواق والمجالس حتى يدعوهم إلى دين الإسلام، ولم تلن عزيمته أو تضعف قوته، وبلغ اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم، بدعوة الكفار إلى دين الله تعالى، مبلغا كبيرا جعله يُعرض من غير قصد عن عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى، يوم أتاه بسبب انشغاله بدعوة زعماء الكفار، وعلى الرغم من الأذى الشديد الذي تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمون من زعماء قريش وكبرائها.