استكمالا لسلسلة أدب الرسائل
نعرض رسالة أمل دنقل الثالثة لعبلة الرويني خلال قصة حبهما.
رسالة أمل دنقل الثالثة
صباح الخير
في المثلث الشمسي الممتد من الشباك إلى زاوية سريري، أراك متمددة في الذرات الذهبية والزرقاء والبنفسجية التي لا تستقر على حال تمامًا كنفسيتك، ومع ذلك أبتسم لك وأقول صباح الخير، أيتها المجنونة الصغيرة التي تريد أن تلفَّ الدنيا على أصبعها، والتي تمشي فوق الماء وتريد ألا تبتل قدماها الفضيتان.
المسافة بين أمس واليوم -لقاؤنا الممتد- طريق ينشق في قلبي، في كل مرة أضطر إلى أن أتركك أحس أن لقاءنا الأول هو لقاؤنا الأخير، والعكس صحيح.. لا أعرف تمامًا لماذا هذا الإحساس، لكني أرجح أنه نابع من إحساسي بتقلبك الدائم وبحثك المستمر عن الحزن، لا أريد أن أفكر كثيرًا في خلافاتي معك، فهذا الصباح أجمل ما فيه أنه يقع بين موعدين، بين ابتسامتين من عينيك، صحيح أنهما سرعان ما تنطفئان، لكني أسرقهما منك، وأحتفظ بهما في قلبي، وأتركك تغضبين وتغضبين.حسنًا لا يهم؛ فلقد عوَّدت نفسي على أن أعاملك طبقًا لإحساسي وليس طبقًا لانفعالاتك.. أحبك ولا أريد أن أفقدك أيتها الفتاة البرية التي تكسو وجهها بمسحة الهدوء المنزلي الأليف، هل تصدقين أنني أصدِّق كل مواعظك الأخلاقية الصارمة؟؟ لو صدقتِ أنت أني أصدق لألقيتني في أول سلة مهملات معلقة في أعمدة الشارع، ولو صدقتُ أنا خُطبك البليغة لقدمت لك طلبًا لعضوية جمعية مكارم الأخلاق، وتركتك تتزوجين رئيسها المبجَّل.
أحبك كثيرًا، لا أعرف الحالة التي أحبك عليها ولا أريد أن أعرف، لكنني أحسُّ بالحب لك في كل الحالات، حتى عندما ينشط عقلك ويتصاعد في أبخرة الأوهام والتحليل العصبي والتنقيب في أشياء لا وجود لها، أحبك مبتسمة وغاضبة، حاضرة وغائبة، راقصة المشية أو هامدة الجسد، حتى عندما تقولين لي لا أحبك فإنني أحبك؛ لأنني أعرف أن هذا معناه عكس ما تقصدين تمامًا يا حبيبتي الصغيرة..
صباح الخير أخرى.. سأحاول أن أعود للنوم؛ فالساعة الآن لم تتجاوز العاشرة، هناك أربع ساعات باقية على موعدك، وأنا لم أنم جيدًا، سأحاول أن أنام، أن آخذك بين ذراعيَّ، وأخبئ رأسك العنيد في صدري لعله يهدأ ولعلي أستريح.
استوقفني وصف عبلة الرويني لأمل دنقل في كتابها “الجنوبي “والذي تناولت فيه سيرته الذاتية فهو يعكس جانب قوي من شخصيته كما رأته عبلة.
قالت: “إنه يتلف الألوان جميعها ليظل الأبيض والأسود وحدهما فى حياته.. يحب أو يكره، يبارك أو يلعن، .. هارب دائما من كل مناطق الحياد التى تقتله”.. “ظل الاطمئنان الكامل هو جوهر ما يبحث عنه أمل فى علاقاته، ولهذا اتسمت صداقاته دائما بالمسافة التى تمنحه فى لحظات الثقة إمكانية الرؤية، وتمنعه من ذلك الالتصاق النفسى بأحد.. فهو لا يبحث عن سند خارج ذاته، بعد أن اكسبته مرارة الأيام قدراً كبيرًا من انعدام الثقة.. وأكسبته أيضًا درسا حول السفن الغارقة التى لا بد وأن يفر منها الآخرون”.