القاهرية
العالم بين يديك

رانيا ضيف تكتب بعيدا عن اختطاف العقول 

126

استوقفني معنى وأنا أفكر فى ردود أفعالنا المتناقضة تجاه نفس الحدث، أو نفس الفعل لأشخاص مختلفين!

فتذكرت سؤالا آخر شغلني سابقا عندما كنت أشاهد فيلم “نهر الحب “

بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف، وكيف تعاطفنا مع البطل والبطلة، وشجعنا قصة الحب بالرغم من أن البطلة كانت متزوجة، ويعد الحب هنا خيانة !

 تُرى لِمَ تعاطفنا معها بالرغم من أننا لم نتعاطف فى الواقع مع قصص مشابهة قد قرأنا عنها، أو قصها علينا أحدهم ؟!

تذكرت أيضا مسلسل “ولد الغلابة”بطولة أحمد السقا ومي عمر، كان يعمل السقا مدرسا، يعول أمه وإخوته والجميع يشهد له بحسن الخلق حتى التقى بالبطلة التى اضطرته فى رحلة مساعدتها أن يتخلى عن مبادئه تحت ظروف قهرية فى البداية ثم تتابعت التنازلات إلى أن روج المخدرات بل وقتل!

 ارتكب أفعالًا مشينة كان يحاربها دائما ويقاومها !

وبالرغم من ذلك تعاطف الناس معه بشكل غريب لدرجة أنهم تمنوا أن ينجح فى الهرب من مداهمات الشرطة أو التحقيقات !

فى حين أننا لو سمعنا عن قضية مشابهة على أرض الواقع فمن المستحيل أن نتعاطف معها !

إذا ما القصة ؟

أرى أننا حينما نشاهد المسلسلات والأفلام فالشخصيات مكشوفة تماما أمامنا 

اطلعنا على خبايا الحياة وطريقة التفكير وصراعات النفس، وحروب الأبطال مع أنفسهم، سمعنا تفكيرهم، شعرنا بأحاسيسهم، وعرفنا نواياهم .

 أى عندما نشاهد أي عمل فني تكون الشخصيات واضحة الملامح ظاهريا وباطنيا، 

نستطيع رؤية كم التحديات التي واجهتها وكم الألم الذي مروا به فاضطروا لأن يختاروا خيارات غير مناسبة .

نحن تعاطفنا عندما فهمنا وتعمقنا في مكنون النفس البشرية لكل شخصية، وهذا ما لا يتحقق على أرض الواقع .

عندما نعرف أن أحدهم ارتشى أو سرق أو روج المخدرات، لا يتعاطف معظمنا معه إطلاقًا بل ويطالبون بتغليظ العقوبة عليه ..

اختلف موقفنا لأننا شاهدنا الجرم مجردا 

لم نر ملابسات ولا صراعات نفسية ولا ظروف ولا أى دليل يعكس لنا دوافع وأسباب ارتكاب الجرم، 

لذلك لم نشفق عليه إطلاقًا .

نفس الفكرة لمستها جدا فى موقف حقيقي، 

كنت جالسة مع صديقة حكت لي وهي تكاد تطير فرحا لأنها ستزور عمها الذي قاطعهم منذ سنوات بعد وفاة والدها، بالرغم من أن والدها كان صاحب فضل كبير وداعم جدا لعمها !

فسألتها: أليس هذا عمك الذي قطع رحمه ولم يسأل عنكم ولو باتصال تليفوني ؟!

فما سبب كل تلك السعادة ؟

قالت : أنا لا آخذ موقفا من عمى هذا تحديدا   

لأن والدي سبق أن قال لي: أن أخيه هذا هو أكثر شخص ظُلم في طفولته وأنه كان أكثرهم تحملا للمسئولية مع جدي ولم ينل حظه من التعليم مثلهم رغم أنه كان طفلا ذكيا ومتفوقا أول سنوات حياته!

 ولا استطاع اختيار أدق تفاصيل حياته بمنأى عّن العائلة .

كما حكى لي والدي تفاصيل ومواقف صعبة تعرض لها أخيه جعلت منه شخصية صعبة قاسية لأنه لم يعرف الحنان وافتقده دوما .

ففاقد الشيء لا يعطيه .

فأنا أشفق عليه لأنه لم يستطع أن يحب نفسه وبالتالي لن يحب أحدًا.

تعلمت حينها أن داخلنا رحمة كبيرة وتفهم لنقاط ضعفنا وضعف الآخرين وأن حكمنا على الآخر دائما ظالم لأنه سطحي جدا 

لذلك “إن الحكم إلا لله “

فهو العالم بنقاط ضعفنا وقوتنا، وعالم بالنوايا واختياراتنا الحقيقية، أو الناتجة عن ضعف ومعاناة .

من ذلك كله تعلمت ألا أحكم على أحد .

وأن أكره الفعل ولا أكره الفاعل .

وأن يتسع قلبي بالرحمة دائما .

قد يعجبك ايضا
تعليقات