بقلم/رشا فوزي
يوم من أيام الخريف، سماءه تنذر بهطول المطر. في الزقاق تمشي مُتعجّلة وهي تسحب ابنتها الصغيرة من يدها؛ تخشى أن تمطر عليهما قبل وصولهما إلى البيت، وإذ بها تشعر بأعين ترمقها وتحملق في جسدها؛ تلفتت حولها لا إراديا لتصطدم بعينيه الوقحتين تتفحصها بفجور، مرتكنا بظهره على أحد الجدارن بينما دخان سيجارته يتصاعد متباطئا من بين شفتيه، زجرته بنظرة نارية ومضت في طريقها تستحث الخطى، إلا إنه حدث ما كانت تخشاه وبدأ المطر في الهطول.
اضطرت إلى الاحتماء هي وابنتها بأحد مداخل العمائر القريبة، وقد خلا الطريق من المارة، وفيما هي تنتظر توقّف المطر، فوجِئَت به منتصبا أمامها بابتسامة صفراء، وأعين تنضح بالشهوة وتلمع بالغدر، يسد عليها مدخل العمارة، شعرت بدماءها تتجمد في عروقها وكاد أن يشلها الرعب، حتى التقت عيناها بعينيّ ابنتها الصغيرة التي جرت نحوها تحتضن ساقيها.
تصادف جلوسه بداخل مكتبته الصغيرة يستمتع بكوب النسكافيه الساخن مختلطا بصوت المطر وهو يجول ويصول في الطرقات مانعا حركة البيع والشراء، حتى باغتته صرخة حادة تشق أرجاء المكان وضجيج المطر، جعلته يقفز من مكانه مهرولا تجاه مصدر الصوت، وما إن وقف أمام باب مكتبته تحت المطر المنهمر حتى صُدِم بما رأى!
كان هناك رجلا يتلوى متألما أمام مدخل إحدى العمارات المقابلة للمكتبة، دماءه تغطي وجهه وصدره ممتزجة بماء المطر، يتعالى صراخه واضعا يده على إحدى عينيه التي يتدفق منها الدم بغزارة، بينما شبح امرأة تسحب طفلة صغيرة من يدها يمرق كالبرق يشق قلب المطر حتى اختفى عن الانظار!