القاهرية
العالم بين يديك

كبسولات_قصصية ذات ليلة 

137

 

بقلم : رشا فوزي

    اجتاحها شعور بالغضب بمجرد معرفتها بقدومه للحفل الذي يقيمانه في إحدى الفنادق الكبرى بمناسبة عيد زواجهما، إلا إنها آثرت الصمت وكظمت غيظها كعادتها.

وهنا استقبلتها نفسها بحديثها اللاذع الذي ما إن ينتهي حتى يبدأ من جديد،

حديث يشعل في قلبها نارا تأكله على مهل، وعلى الرغم من ذلك تنصت لها، وهل لها غير نفسها تتحدث معها!

_ هو يعلم كم تكرهين وقاحته، وتَجَرأّه عليكِ؛ لكنه لا يبالي.

تمتمت بمرارة:

_ وما الجديد؟!

في هذه اللحظة دلف من باب الغرفة، ودون أن يلتفت إليها سألها باقتضاب:

_جاهزة؟

كان متشاغلا عنها بالنظر إلى نفسه في المرآة .

كانت تدرك أنه يرى نفسه أكثر مما يراها، أجابت بصوت خالي من الحياة:

_نعم.

هنا تطلع إليها بنظرة فاحصة من قمة رأسها حتى أخمص قدميها، قرأت في عينيه نظرة إعجاب، لكنها تعلم جيدا أن لسانه لن يفصح عنها أبدا، إلا أنه فاجئها وتحدث إليها لكن بنبرة حادة :

– أين سوارك الماسي؟ لماذا لا ترتدينه؟ 

– أنه يجرح يدي ويؤلمها .

– ذلك لا يهم! عليك ارتداءه فبدونه تبدين ناقصة.

 عاد إليها شعورها بالغضب مرة أخرى، وكظمته مرة أخرى!

استقلت معه عربة فارهة لامعة تخطف الأبصار، بداخلها ضمهما الصمت والبرود معا وبقوة .

  سارت العربة يعوقها الزحام، تشاغلت هي بالنظر من نافذة العربة المجاورة لها، لفت نظرها امرأه مقعدة على كرسي متحرك في عقدها الرابع تقريبا، ملابسها تدل على تواضع حالها، وقد انبسطت أساريرها ورقصت على وجهها الخمري علامات البهجة والسعادة، بينما يدفعها رجل يبدو في مثل سنها أو أكبر قليلا، وقد شاركها تواضع الحال وإنبساط الأسارير، فلا ينفك بين الحين والأخر أن ينحني على أذنها يُسِر لها بكلمات تتسع لها ابتسامتها فتزيد وجهها إشراقا، وأحيانا تكبر الابتسامة فتصير ضحكة صافية تزيد الجو الربيعي دفئا وبهجة، وهما على هذه الحال يسيران الهوينى على الرصيف غير عابئين بزحمة الشارع وضوضاءه، وكأنما الدنيا قد خلت إلا منهما ومن أحديثهما.

 وفي لحظة غفلة من الزمن رأت نفسها على هذا الكرسي المتحرك، وقد أنارت وجهها ابتسامة رضا وسعادة صافية !

وهنا انتبهت من غفلتها، وقد كسا وجهها الذهول لتصطدم عيناها بانعكاس صورتها في مرآة العربة، وهي ترمقها ساخرة، وكأن لسان حالها يقول :

– ألهذه الدرجة تشعرين بالتعاسة؟!

نظرت بجانبها لترى رجلا غريبا عنها لا يمت إليها بصلة، لا يتوقف عن التأفف والسب واللعن، وإذ بها تقول له بهدوء وحزم :

– جاسر أريد الطلاق!

نظر لها مستهزئا وهو يقول :

– نعم ؟! ماذا تريدين؟!

أجابته بنبرة أكثر حزما:

– أريد الطلاق. 

وإذ به يغرق في نوبة ضحك مفتعلة ومستفزة فتقابلها هي بهدوء وثبات :

– جاسر انا جادة .

وهنا التفت إليها ناظرا لها بتمعن، ثم قابضا فجأة على معصمها بعنف وهو يصرخ في وجهها :

– وهل تظنين أنك قادرة على الحياة بدوني !

انتزعت يدها من قبضته بقوة أدهشته وهي تنظر له شذرا قائلة :

– هذا ما تظنه أنت .  

وإذ بها تخلع سوارها الماسي وتلقي به في وجهه، ثم تندفع خارجة من العربة وتصفق الباب خلفها بقوة، ليسرع هو الآخر خارجا من العربة فيجدها واقفة في هدوء قبالة الجانب الآخر من السيارة تنتظره، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة واثقة بينما ملامحه تغرق في الذهول؛ وهو يراها تفرد جناحين قويين يحملناها في تروي إلى السماء، وعينيها مثبتة عليه تستقبل دهشته بسخرية. وما أن ارتفعت عاليا حتى لوحت له بيدها بنفس السخرية، وقد شرعت في الطيران مبتعدة عنه تاركة إياه غارقا في ذهوله حتى أذنيه.وفي سماءها العالية كانت تطير محلّقة ترفرف بجناحيها في فرحة غامرة، حتى وقع بصرها على ذلك الرصيف حيث كانا الرجل وزوجته القعيدة يسيران، فهبطت عليه وأخذت تسير بتؤدة لا تخلو من بهجة على نفس دربهما.   

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات