استعرضنا في المقال السابق رحلة النسوية ومعاناة النساء فيالغرب في آخر خمسين عاما حتي تصلن لأهدافهن وحقوقهن فيالمساواة وتغيير ثقافة المجتمع، واللاتي أدركن أن السبيل لذلك يستوجب أن يتورطن في العمل السياسي.
فلم يكن الطريق لتحسين أوضاع المرأة الاجتماعية مفروشا بالورود والرياحين ولكنه كان صراعا طويلا مرهقامليئا بالعقبات والتحديات .لذا فأولئك النساء اللاتي أخذن على عاتقهن الدفاع عن حقوق النساء كانوا ملهمات ويبذلن الجهد لتحصد ثماره الأجيال القادمة .وخاضت المرأة بالفعل الحياة السياسية لتتمكن من المشاركة في صنع القرار وانتزاع حقوقها، ففي عام ١٩٧٢عضو الكونجرس “شيرلي تشيز هولم “أصبحت المرأة الثانية وأول أمريكية إفريقية تترشح للرئاسة عن حزب سياسي .وهي إحدى أكبر المؤيدين لاقتراح مثير للجدل يقضي بتعديل حقوق المرأة في الدستور الأمريكي ليصدر القانون الآتي “لا يجوز إنكار المساواة في الحقوق أو إيجازها بحكم الجنس“
كانت مناصرات الحركة النسوية يبذلن جهدهن لإقرار ذلك القانون منذ عام ١٩٢٣ لكن أخيرا بات لديهن الزخم والتنظيم لطرحه للتصويت في الكونجرس، وأخيرا تم الموافقة على الاقتراح مسجلا انتصارا عظيما للحركةالنسوية .
لكن رغم تقدمهن في المجال السياسي كانت مناصرات النسوية الأمريكيات متأخرات عن نظيراتها في دول أخرى فيما يتعلق بانتخاب امرأة في منصب قيادي.
فقد كانت سيريلانكا في ذلك الوقت الدولة الأولى التي انتخبت قائدة وهي “سيرمافو باندارانيكي” في العام١٩٦٠
أما في عام ١٩٦٦ بدأت أنديرا غاندي ولايتها الأولى من أصل ٤ كرئيسة لوزراء الهند .
وفي عام ١٩٧٩ تم اختيار مارجريت تاتشر كرئيسة لوزراء “المملكة المتحدة“.
بالعودة للنسوية في الولايات المتحدة فقد شهدت السبعينيات تقدما على شكل مجموعة من القوانينالجديدة ففي عام ١٩٧٢حصلت المرأة على فرص متساوية في التعليم، وفي عام ١٩٧٣ أصبح لها الحق فيإنهاء الحمل غير المرغوب فيه، بينما في عام ١٩٧٤ حصلت على حق المساواة في خطوط الائتمان المصرفية،وبنهاية السبعينيات كان عدد النساء المسجلات في الجامعة أكثر من الرجال .
بالرغم من التقدم الذي أحرزته النسوية لكنها وجدت صعابا عندما بدأت النساء في الدخول في مجالات ذاتالسيطرة الذكورية؛ فكان من الواضح أن الأفكار القائمة على التحيز الجنسي لاتزال منتشرة وتظهر في كراهية الرجال العمل مع المرأة، وشعور النساء بأن الرجال لا يحترمون رؤيتها .
أتت الثمانينات بأحداث كثيرة متتالية تعد خسائر لما حققته النسوية فعلى سبيل المثال؛ فيما يتعلق برواتب النساء فهي في الواقع أقل مما كانت عليه قبل ٢٠ عاما مقارنة بالرجال
ففي عام ١٩٧٩ كانت الفجوة في الأجور ٥٩,٧ سنتا مقابل دولارا !
ردة فعل النسويات الغاضبة واعتناق المجتمع للأفكار المناهضة لها أوصلت ريجان للسلطة عام ١٩٨٠ والذي بدوره قطع وعدا بإعادة القيم العائلية التقليدية فقال :”استعادة الحلم الأمريكي تتطلب العودة إلى القيم الروحية والأخلاقية ” في تلميح لإعادة تغيير الدستور الخاص بالمساواة في الحقوق .
والتي اعترضت عليه “lottie Beth Hobbs” قائلة: نعرب عن قرارنا بمعارضة التصديق على تعديل المساواة في الحقوق في الدستور
ولكن بحلول عام ١٩٨٢ صدقت ٣٥ ولاية على تعديل المساواة في الحقوق وكانت ضربة موجعة للنسوية حتى باتت تعتبر من الماضي !بعد انتخابات ١٩٨٨ والتي أظهرت استطلاعات الرأي أن ١٨٪ فقط من النساءيعتبرن أنفسهم مناصرات قويات لحركة النسوية بينما في عام ١٩٩٠ انخفضت النسبة إلى ١٤٪ فقط .
بالرغم من رد الفعل المناهض للحركة النسوية إلا أن بعض الأحداث منحت للحركة قوة،
كموسيقى البوب في التسعينيات والتي أشادت بالنساء القويات، كما كان هناك بعض الأفلام السينمائية التي وقفت في صف المرأة، كما تقلدت بعض النساء على مناصب سياسية رفيعة المستوى .
بحلول عام ١٩٩٨ كانت نسبة ١١٪ فقط من الكونجرس من النساء وبدأت فجوة الأجور تتقلص إلا أنها كانت بعيدة عن المساواة فكانت ٧٣,٢ سنتا مقابل دولار واحد .
ومع الألفية الجديدة عاد اشتعال شرارة للحركة النسوية من جديد بفضل الإنترنت، فقد سمح للنساء بمشاركة قصصهن وخبراتهن، وقد شارك نساء من هويات وثقافات متعددة فظهر نوع جديد أكثر شمولية منالحركة النسائية .
كما تم تسليط الضوء على قصص نساء من الأقليات كانت في طي النسيان في أفلام مثل “هيدن فيجرز” وهو عن النساء السود خلف سباق أمريكا إلى الفضاء .
كما شهدت النسوية انتصارات للمرأة عالميا
مثل Malala Yousafzai والتي قالت:
“التعليم الجيد للفتيات لا يعني تعلم الكتب والنجاح في الامتحانات والحصول على وظائف بل هو التمكين والحرية والتغذية“.
ومن مظاهر استخدام النسوية للإنترنت عالميا
ظهور احتجاجات نسوية في روسيا والتي قوبلت بطريقة قاسية من الشرطة .
كما استخدمت مجموعة نسوية ناشطة الإنترنت في أوروبا لنشر مطالبهن بالمساواة وهن عاريات الصدروقالت إحداهن للإعلام: نحن مجموعة من النساء الغاضبات اللواتي اخترن استيراتيجياتهن فخلعن قمصانهن وكتبن على أجسادهن التي كانت لفترة طويلة مستخدمة كغرض .
وبينما تواصل النسوية نجاحاتها حول العالم
كانت الدول النامية لا تزال تعامل النساء على أنهن مواطنات من الدرجة الثانية .
حيث حوالي ربع الفتيات في العالم النامي لا يرتدن المدرسة فلا تعليم، كما أن كل عام تتزوج ١٥ مليون فتاة حول العالم قبل بلوغها ١٨ عاما وهو ما يعرف بزواج القاصرات، أي ٤١ ألف يوميا أو فتاة كل ثانيتين .
هناك ١٨ بلدا تمكن الأزواج من منع زوجاتهم شرعيا من العمل !
في عام ٢٠١٦ اقتربت هيلاري كلينتون من الفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أكثر من أي امرأة من قبل حيث قالت: “أعلم أننا لم نُحَطِم بعد ذلك الحاجز الزجاجي الأعلى والأقسى لكن امرأة ما ستقوم بذلك يوماما وآمل أن يحصل ذلك أسرع مما نتوقعه” . وذلك حفز الملايين للتجمع في شوارع واشنطن وبعد مرور عام واحد أدى عدد كبير من أعضاء جدد من النساء اليمين الدستورية لدخول الكونجرس، فشكلتالنساء ٢٤٪ من أعضاء مجلس النواب و ٢٥٪ من مجلس الشيوخ
وأخيرا في مطلع ٢٠٢٠ عاد تعديل المساواة في الحقوق تتصدر العناوين من جديد، وعلى رأس أجندتهن ضمان الأجر المتساوي للنساء مقابل نفس العمل فلازالت الفجوة في الأجور ٨٠,٧ سنتامقابل دولار .
ولن تهدأ الحركة النسوية حتى يحصل الجميع على الفرص نفسها والحريات نفسها وحقوق الإنسان نفسها. وأرى أن تلك الأهداف المشروعة والعادلة باتت على بعد خطوات قليلة، وأن ما حققته النسوية يعد إنجازًا حقيقيا في مواجهة الظلم المجتمعي أو الوعي الجمعي والثقافة السائدة .