بقلم الأستاذ الدكتور _ عادل خلف عبدالعزيز القليعي ،أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان .
الذي ينظر لهذا العنوان أول ما سيتبادر لذهنه أن هذا الموضوع في التصوف،صحيح هذه المصطلحات وهذه المفردات ذكرها جل الصوفية في دواوينهم ومدوناتهم،بل ولقد ذكرها في حقهم كثير من المستشرقين المهتمين بالفكر الاسلامي وخصوصا التصوف .
لكن وعلي الرغم من استعارتي لألفاظهم وعباراتهم إلا أنني سأعالج الموضوع بطريقة مبسطة حتي تكون في متناول أفهام الجميع ،اذ خطابنا ومقالنا موجه للكل دون استثناء.
نحن علي دراية وفهم أن صنوف المعارف متعددة ومجالاتها متنوعة وكثيرة وصنوف العارفين إن جاز لنا تصنيفهم فهناك: عامي المعرفة،صاحب المعارف المحدودة البسيطة الذي اذا سألته هل الله موجود يقول لك نعم هل تستطيع أن تقدم دليلا علي وجوده،ربما يتركك وينصرف عنك .
وهناك معرفة الخواص الذين من الممكن أن يدخلوا معك في حوار ويناقشونك ومن الممكن أن يجادلوك ويقارعوك الحجة بالحجة والرأي بالرأي.
وهناك أنصار المعرفة التي تحمل ماتحمله من خصوصية(خواص الخواص) أهل التحقيق الذين صفت قلوبهم فصفت عقولهم (عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي)، فقلوب العارفين لها عيون ، يرون ما لا يرآه الناظرون .
أهل الإخلاص والود والحب الالهي الذي تحققوا قول الله(يحبهم ويحبونه) فكان حقا علي الله أن يصطفيهم ويهبهم هذه الهبات الصفائية هذه النفحات الربانية،التي لاتؤتي الا لمثل هؤلاء(لمثل هذا فليعمل العاملون).
أصدقائي الأكارم وأحباب قلبي ،ألا تتفقون معي أنه قد كثر الخبث وكثر الفحش وكثر السوء،وكثر الحقد والحسد والضغينة والكره وأصبح الانسان يتحين الفرص حتي ينقض علي أخية .
ألم يقتل الأخ أخاه علي أمر قد يكون تافها،ألم يسب الابن أباه وأمه،ألم يتطاول التلاميذ والطلاب علي أساتذتهم،ألم تنتشر السرقات وشرب المخدرات والاغتصاب والافتراءات كثيرة هي (الا ما رحم ربي).
كل ذلك لماذا؟!قد يرد البعض قائلا الزمان قد تغير والحياة المادية طغت، لكن هل هذا مبرر يعتد به،نعيب زماننا والعيب فينا ،وما لزماننا عيب سوانا،المعضلة الكبري ليست في الزمان ولا المكان المشكل الرئيس في المكون الاصيل للزمان والمكان (الإنسان بما هو انسان).
الإنسان بمتناقضاته بخيره وشره بحسنه وقبحه ،الانسان الذي ترك الحق وحاد عنه وتمسك بالباطل ولهث خلفه وبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق مصلحته حتي ولو تعارضت مع مصالح الاخرين .
الانسان الذي فرط في حريته الحقيقة التي كفلها الله تعالي له ولهث خلف حرية ممقوته جعلته عبدا ذليلا لشهواته وأهوائه وميوله، لهث وراء مال وثروة فصار عبدا لهما ، لهث خلف منصب فصار تابعا ذليلا ،لهث خلف أسراب من السراب وفي نهايته نهاية طريقه لا يجد شيئا.
لماذا يا من حملكم الله الأمانة المسؤولية لماذا لاتتخلوا عن كل هذه الصفات المرزولة، لماذا لاتطبقوا الوسط العدل لا تميلوا بالكلية إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء لماذا لا توفقوا بين جانبيكم المادي والروحي.
هذه ليست معضلة لكن العيب فينا نحن لونظرنا بعين الاعتبار الي إمامنا الاكبر صلوات الله وتسليماته عليه الذي عرضت عليه الدنيا بحذافيرها لكن قال أشبع يوما فاشكر وأجوع يوما فاصبر،تخلي عن كل ما يعكر صفو علاقته مع الله .
وأنتم يا سادة هل جعلنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قائدا لنا نهتدي بهديه ونقتدي بسنته ونقتفي أثره علما وعملا دينا ودنيا .
وإذا تخلينا من باب أولي نتحلي بالطاعات والعبادات والطهارات ونتمسك بحبل الله المتين ونتحلي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ونتمسك بحبل الدين المتين ونعتصم بالله تعالي ونصبر علي الطاعات ونهذب أنفسنا ونربي أبنائنا تربية اسلامية صحيحة.
إذا فعلنا ذلك ننتظر المنحة من الله تعالي ،لا نقول مثلما يقول الصوفية يتجلي الله لنا ولا نسير خلف الشطحات لأننا لسنا أصحاب أحوال ومقامات ، ولكنا عباد لله يتجلي الله لنا فنناديه وندعوه ونطلب منه الهداية والسداد والتوفيق والرشاد،ويتحقق فينا قول ربنا انا عند ظن عبدي بي ونحن نحسن الظن بالله تعالي.
فهل تحلينا بكل خصال الخير والحب والحق والجمال، إذا فعلنا ذلك حقا سينظر الله تعالي نظرة لانشقي بعدها أبدا.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية