القاهرية
العالم بين يديك

حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ

130

بقلم – حسن محمد 
أين القمرُ؟، سألتُها.
ردت مستنكرة:
-أيظهرُ بالنهار؟
فتوسّلتُ منها طالبا:
-هل نظرتي إلى عيني قليلا؟
في تهكم ماكر قالت:
-لأ.. خبّرني مرادّكَ؟
-ألستِ تقولين بإني أفهمُكَ؟
-بلى، لكني أيضًا أجهلُكَ.
-هذا مجردُ اختبارٍ للثبات الانفعالي.
-لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين!
-هذا المؤمنُ، فكيف حال المُحِبِّ؟
-بقدر حبِّه تكمُن العواقب الوخيمة.
-إذًا فكم عدد مرات العواقب التي وقعتْ؟
-لم أحسِبْ، لكن، لا بأس، سأبدأُ بالعدّ من تلك اللحظة.
-ستعدّين على يديك؛ واحدٌ ثم اثنين فثلا…
-أينعم.
-ليس الأمرُ كما ترين بتلك السهولة.
-عذرا، لم أعرف أني سأحتاج إلى آلة حاسبة في مقابلتنا!
-كم يبلغ عدد خلايا الجسد؟
-عجبا لكَ، أنسيتَ أنني كنتُ شعبة أدبيّة؟!
-لم أنسَ بكل تأكيد..
-تقريبا المليون؟
-بل تريليون.. كذلك عدد المرات التي وقعتُ.
-هل سنُهْدرُ وقتنا الثمين بالحديث عن الفلسفة والرياضيات والعلوم..
-حَسْبُنا ذلك. أردتُ توضيحَ الأمر لا أكثر..
-…..
-كما أن الأمر كذلك يتعلق بالفيزياء..
-رباه، الفيزياء!
-دعي التعجّب وانظري إلى عيني قليلا؟
-هآاا…
-ماذا ترين؟
-عينان سوداويّان ساجيتان جميلتان.
-لا والله! دقِّقِي النظرَ قليلا.
-ماذا يحدث بكَ؟!
-تنهار الحكمةُ تحت شدة وطأة جاذبية عينيكِ.
-وما تبقى منكَ؟
-التِّيه.. الحيرة.. التهورّ.. الجنون..
-أحررتكَ أم قيِّدتكَ؟
-تأثيرُ سحر عينيكِ سيدتي، يدمّرُ الجاذبية، يجعلني حرًّا للحظة. أكاد أن أضيع، كأنكِ الفضاء الواسع السحيق! وأُهلكُ بين أنفاسك الملتهبة كأنكِ ثقبٌ أسود!، فما ألبث أن أكون أسيرًا مقيدًا بين أصفاد رموشك.. تائهًا بغياهِب الهُيام، محترقًا في براكين الغرام. حرٌّ لأني مقيدٌ بكِ! آمنٌ معكِ لكنني أشدُّ الخائفين!
-…..
-ففيكِ خرابي ومنكِ نجاتي..
-لم أُرِد تدميركَ؛ فإني أحبُّكَ..
-من الحب ما يحيا ويقتُل..
-أذلك يكون؟ إذًا سأهرب منكَ..
-كل محاولات هروبكِ قد باءت بالفشل.. وستبوء.
-أهرب من قلبي هروح على فين؟
-إليّ.. لكنكِ تهربين مني، بينما أهرب من نفسي إليكِ.
-ألم تخَف أن يقتلك حُبُّكَ؟
-كلا.. فإنْ متْ منكِ حييتْ.. وإنْ متْ فيكِ نجوْتْ..
-فما محياكَ؟
-الخلود.
-لا أحد منا يخلدُ.. كلنا راحلون.
-خلود حبّكِ.
-ومماتكَ؟
-نيسانكِ ليّ؛ فضياعي.. انتحاري ثم موتي.
-ألديك تفسيرٌ آخر عمَّ حدث بكَ؟
-إلى عيني تتضح إجابتي.
-هآنذا..
-صدقا، ماذا ترين؟
-انعكاسا لصورتي.
-بل انعكاسا للقمر!
-لجمال عيونكَ الفضل، لا في ذلك ريب سيدي.
-كلاَّ إني مرآةٌ تعكس حَسْبَما ترى سيدتي..
-إن كنت تراني قمرا؛ فأنتَ مصدر نوره. لكن يا ترى فأي منزلةٍ منه أكون؟
-على حَسَبِ حالتك المزاجية اليومية يتغير.
-بل قُل اللحظية.. فإني كلُّ لحظةٍ بحال شكل.
-حتى القمر لم يسلمْ!
-أيُّ قمر فيكما؟
-…..
-كيف حلّ الظلامُ؟
-كُسفت الشمسُ.. فقد اعتراني الخجلُ من سؤالكِ.
-وكيف يعود النور؟
-من ابتسامتكِ الخاجلة.
-أليس الخجلُ يخسِّفُ القمر؟
-بلى، لكننا نتحدث عن قمر آخر.. به جاذبية.. يضئ أرضي في كل صورته وحالته.. لكنني لست أدري: من يدور حول الآخر، هو أم قلبي من يدور حول قمرك؟
-رجاء لا تزِدني خجلًا؛ يآسرني وصفكَ.. وتخطفني كلماتكَ.
-تُولدُ كلماتي من رحم جمالكِ، فأنسجُ منها إبداعًا.
-ويحُكَ، فما سِرُّ حبكَ العظيم أن توردّ وجهي حياءً وخجلًا؟!
-أُحِبُّ رؤيةَ الطبيعة الخلّابة خلالكِ.
-ما الكسوف؟
-أنتِ.
-أقصد كيفية حدوثه؟
-منكِ.
-بل تعريفه العلمي!
-الكسوف هو انتصاف القمر بين الشمس والأرض على استقامة واحدة.
-ألمْ يتسنَّ لنا رؤية النور بعد؟
-اقتربي، لتجلسي معي جَنْبًا إلى جَنْبٍ.. بنا سيكتمل القمرُ، وتبتهج الشمسُ.
-وهل سيعود النور إلى الأرض؟
-لم يغِب النور عن الأرض، فقد كنا تحت سماء الحب يا عزيزتي..
-وما الذبول يا عزيزي؟
-عودة القمرُ كالعُرْجُون القديم.. في ثوبه الهلالي الجميل، حتى في ذبولكِ تآسريني!
اقتربي، تعالي.. هكذا يفعل الحب بنا.. يضيء بداخلنا قناديل الأمل بين ضبابية النفس. تعالي؛ حيث طولك وارتفاعك وعرضك، حققي المكان، لتتصل رُّوحنا في محراب الكون، وتسمو إلى أبعاد الزمان، فيتشكل الزمكان.. ونكون فضاء خاصا بنا وحدنا.

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات