القاهرية
العالم بين يديك

الأبعاد الإجتماعية والنفسية لفضيلة جبر الخواطر.

113

بقلم ا.د.عادل خلف عبدالعزيز احمد

بداية نتحدث عن الاشتقاق اللغوي لجبر الخواطر،
جبر خاطره طيب خاطره،أجاب طلبه وواساه في مصيبة حلت به.
أزال انكساره وأرضاه عن طيب خاطر عن رضي.
المضاد لها،كسر خاطره،خيب أمله
مكسور الخاطر أي الحزين الذليل.
من أجل خاطرك لخاطرك إكراما لك.
وجبر الخواطر بكلمة تكسب قلبا وبكلمة تخسره،فحاول أن تريح القلب ولا ترهقه.
وجبره أي طيبه وداواه وأزال همه وغمه.
اجتبر العظم جبره
استجبر الفقير صلحت حاله بالاحسان إليه.
انجبر اليتيم أخذ حاجته
انجبر خاطره طاب.
والجبر مذهب فلسفي يعني الإنسان ليس له إرادة ولا حرية ومجبرا في أفعاله جبرا،عكسه المذهب القدري الذي يعني أن الإنسان حر وقدره بيده وهو صانع لأفعاله.
جبر الخواطر عبادة وقربة نتقرب بها الله تعالي،نتقرب بأعمالنا الصالحة ومنها جبر الخواطر لعل الله سبحانه وتعالي يكشف ويصرف عنا ما نحن فيه من الرزايا والبلايا التي حلت بالعباد والبلاد وهي كثيرة.
رب سائل يسألني لماذا أخترت هذا الموضوع للكتابه عنه.

إجابتي بمنتهي البساطة لم حل بنا وبمجتمعنا من انهيار قيمي وتدني أخلاقي-الا من رحم ربي-ولحالة العبث والفوضي واللامبالاة التي نشهدها الآن.
ولذيوع الأنانية وانتشارها وطغيان الأنا مصلحتي قبل كل شيئ
وفقدان الاحساس بالآخر وفقدان التكافل الإجتماعي بين أفراد المجتمع وفقدان قيمة العدل والمساواة بين المواطنين فبات التصنيف جليا طبقة عليا،طبقة متوسطة،طبقة معدمة.
طبقة عليا ليس لها هم اللهم إلا إشباع حاجاتها المادية من تحقيق مكاسب وثروات ومناصب وجاه وسلطان لا تلقي بالا لأحد لايهمها شيئ الا مصلحتها بل وتتفن باستخدام كل ماهو متاح لها وغير متاح لتحقيق أهدافها النفعية وللأسف واعي ما أقول هم كثر في عصرنا الحالي وواقعنا المعيش تغلب عليهم النزعة الانتهازية والاستغلالية.
وطبقة متوسطة تكافح من أجل البقاء،من أجل أن تربي أبنائها تربية حسنة صالحة،يتفننون في تدبير أمورهم المعيشية،ينتظرون بفارغ الصبر قدوم آخر الشهر ليصرفوا رواتبهم التي يوزعونها قبل أن تقع في أيديهم.طبقة تكافح من أجل البقاء ليس لهم طمع في ثروات ولا جاه.
وطبقة معدمة وتنقسم إلي قسمين:قسم عفيف النفس لايسأل الناس الحافا،يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف،تعرفهم بسيماهم ولنا المثل في أبي هريرة رضي الله عنه عندما دخلت سيدة علي النبي صلي الله عليه وسلم وبيدها غبوق من لبن واعطته للنبي كي تتصدق به علي أهل الصفة.
والصفة هذه هي بناية ملحقة بمسجد النبي بناها عليه الصلاة والسلام ليقيم فيها فقراء الصحابة ومنهم سيدنا ابو هريرة.
فسقي النبي جميع الصحابة الا أبا هريرة وهو يتضور جوعا ولم يطلب من النبي استحياء منه،فنظر النبي وقال يا أبا هر إني أراك جوعانا واعطاه الإناء وشرب حتي ارتوي.
وهم كثر في واقعنا المعيش،لا يمتلكون حتي قوت يومهم،لا ورب محمد لا يمتلكون حتي ثمن وجبتهم،لكنهم يستغنون عن الخلق بالخالق.
وقسم وضيع النفس ذليلها أهل للتسول يجوب الشوارع ليلا ونهارا متسولا يمد يده لفلان وفلان وقد يعطي ومرات عديدة يهان ويمنع ويسمع كلام تأباه النفس الكريمة لكنهم مردوا علي ذلك ،وهذا القسم يتحقق فيه قوله تعالي (فمن يهن الله فما له من مكرم)

هذه هي صنوف مجتمعاتنا التي نحياها.
كيف نخرج من هذه الأزمات التي تلاحقنا الواحدة تلو الأخري.
الإجابة احياء قيمة وفضيلة جبر الخواطر التي من خلالها يتحقق التكافل الاجتماعي والعدل والمساواة،فنحن نعيش في مجتمع مدني والإنسان مدني إجتماعي بطبعه،فاذا ما تحققت المعادلة وتحقيقها ليس صعبا،بمعني إذا عطف الغني واعطي من مال الله الذي أعطاه للفقير سيشعر الفقير أن هناك من طبطب عليه وواساه ووقف بجواره واعانه علي تربية أولاده وساعده في تجهيز ابنته،اليس هذا جبرا للخواطر.
وجبر الخواطر لايكون مقصورا علي الاعانات المادية فقط بل جبر الخواطر يكون معنويا أيضا فقد يكون الإنسان المحبط المكسور الخاطر ثريا جدا لكنه يشعر بألم معنوي وضيق في صدره،لماذا لانمد له يدنا ونحتضنه وإذا تحدث نسمع له ونسمع شكايته لماذا لانجبر خاطره ولو بكلمة طيبة ولو ببسمة صافية من القلب تخرجه من حال إلي حال.
وجوه جبر الخواطر كثيرة،ولنا في أنبياء الله الاسوة والقدوة،ألم يجبر ربنا بخاطر سيدنا زكريا فبعد أن بلغ من الكبر عتيا وهبهه الله يحيي.الم يجبر ربنا خاطر سيدنا أيوب أن من عليه بالشفاء بعد سنين مرض طوال،ألم يجبر الله تعالي خاطر سيدنا ابراهيم بأن نجي اسماعيل وفداه بذبح عظيم.ألم يجبر جل وعلا خاطر موسي كليم الله أن شد عضده بأخيه هارون.ألم يجبر خاطرك المعصوم بأنه جعله خاتم الانبياء والمرسلين.
أليس لنا في هؤلاء المصطفين الأخيار الاسوة والقدوة،فلماذا التعالي علي خلق الله لماذا النظرة الدونية،لماذا الوساطة والمحسوبية،لماذا لانجبر بخاطر المحسنين من أهل الفكر والعلم والثقافة،لماذا لانقف بجوارهم ونخرج ما بداخلهم من فكر وثقافة وننشره حتي يستفيد منه الجميع.
لماذا لانجبر خاطر الطلاب ونجتهد في إخراج كل ما لدينا من علم لهم ونترك نزعة التعالي عليهم والاستعلاء فنحن قد من الله علينا وجاد فلماذا لانجود،فالجواد كريم.
لماذا نخرج الأهالي الذين أتوا ليفرحوا بأبنائهم الذين يتقدمون للحصول علي درجات الماجستير والدكتوراة لماذا تخرجهم من القاعات مكسورين الخاطر حتي ولو كانت هناك بعض الهنات التي يمكن تداركها بعد ذلك أن يخرجوا مجبورين الخاطر أفضل أم يخرجون مخذولين مكسورين لا والله مجبورين .

جبر الخواطر عبادة وقربة نؤجر ونتقرب بها الي الله تعالي،اذا ما تحققت هذه الفضيلة سيحدث التوافق الاجتماعي والنفسي بين أفراد المجتمع وستقل الأمراض النفسية التي قد تنشأ بسبب كسر الخواطر.
فهل جبرنا خواطر بعضنا البعض ،هل اقتدينا بربنا والأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه،هل جبرنا خواطر الأرامل والأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة،هذه دعوة مني لذلك.
وأشد علي عضد وأيدي قادتنا في مصرنا مما نشاهده من احتفالات بالايتام والأرامل والشهداء.بارك الله فيكم وفي كل من سيجبر بخاطرنا ورحم الله من جبر بخاطري.

والقاهرية تشكر ا.د.عادل خلف عبدالعزيز احمد
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
على ما أثرانا به في هذا المقال مع وعد بمقالات أخرى

قد يعجبك ايضا
تعليقات