القاهرية
العالم بين يديك

الكتابة

119


د. محمد منصور
من حق كل إنسان أن يكتب ، لأن الكتابة هي مرآة الذات ، هي التي يعبر بها الإنسان عمايعتمل داخله من مشاعر وأحاسيس .. هي أداة من أدوات التعبير كالنطق والتحدث ولغة الجسد.
وكما أن عيوب النطق والتخاطب تحتاج علاجاً واشتغالاً عليها حتى يتم تقويم مخارج الألفاظ ونطق الحروف ، فكذلك الكتابة تحتاج اشتغالاً على اللغة التي سنكتب بها ، فالحق المشروع في الكتابة لاينفي احتياج الإنسان الدائم لتقويم اللغة التي يكتب بها نحواً وصرفاً وإملاءً
حتى يستقيم المكتوب كمايستقيم المنطوق من الكلام والتعبير .
بعض الناس يهملون هذه الحقائق البديهية البسيطة فيخوضون غمار الكتابة الإبداعية دون أن تتوفر لهم أدواتها فتخرج كتاباتهم إما مبتسرة مشوهة أو مثيرة للسخرية أو ربما الرثاء ، والأدهى من ذلك أن يضع مثل هؤلاء أمام أسمائهم صفات مهمة تجذب القراء لمايكتبون كالشاعر فلان أو الأديب علان بل إنني أعرف من كان يكتب الشعر ويضع قبل اسمه الشاعر العالمي فلان وهو مايعكس ثقة زائدة في النفس واعتزازاً شديداً بالذات والعيب هنا ليس في كونه مستحقاً لذلك اللقب الضخم الرنان وإنما العيب أن يسبق الكاتب قرّاءه في تقييم نفسه فيحجر على آرائهم من قبل أن يقرأوا أو يقيّموا كتاباته بأنفسهم .
بل وأعرف شاعراً كان يكتب كلمات متراصة لاروح فيها ولاوزن لها فلما عاتبته ونصحته بضرورة أن يدرس بحور الخليل قال ياأستاذ من يكون الخليل هذا إلى جانبي ؟! أنا أكبر من كل البحور .. التزمت الصمت ولم أعد لنصحه أبداً إذ ربما لديه محيطات من أوزان الشعر لاندري بها.
أنا أؤمن أن دراسة بحور الشعر وأوزان الخليل ليست وحدها ضماناً لإنتاج شعر جيد ، فبعض الناس لديهم إحساس بموسيقى الشعر وإدراك أوزانه أفضل ممن درسوا البحور ويحفظون تفعيلاتها أما أن تخلو جعبتك من الاثنين ، من دراسة الأوزان ومن الإحساس بها معاً
فهذا يرشحك لأن تكون ممن يكتبون أي كلام فارغ من أي محتوى بينما تظن نفسك شاعراً لايشق له غبار .
هناك أيضاً الكاتب السماعي الذي يكتب كلمات فتظن أن عينيه لم تقعا ولامرة على هذه الكلمات أبداً .. كأن يكتب “صفاط الرصول” حين يقصد ” صفات الرسول” وياأيوه ” حين يريد قول “ياأيها” أو “يتشبس” في موضع ” يتشبث” أو ” كزالك” في مكان ” كذلك” ومثل ذلك كثير ممايقلق أبا الأسود الدؤلي في قبره.
فياعزيزي الكاتب .. كما أن الكتابة حق طبيعي لك فاعلم أن ممايجعل لكتاباتك قيمة وتأثيراً أن تكون سليمة نحوياً وإملائياً وأنه من الضروري أن تعرف قواعد اللغة البسيطة التي تعينك على أن تميز الفاعل فترفعه والمفعول به فتنصبه وذلك أضعف الإيمان ، ثم عليك أن تنتبه حين تقرأ لطريقة رسم الكلمات حتى لاتقع في أخطاء إملائية كالفضيحة ، ولتعلم أن وضعك للقب الشاعر فلان أو الأديب علان أمام اسمك لن يعفيك من سخرية القرّاء حين يجدون أنك لاتميز بين المذكر والمؤنث فتعطي المذكر صفة مؤنثة مع أن من أبسط الأمور التي يعرفها التلميذ في مرحلته الابتدائية أن الصفة تتبع الموصوف تذكيراً وتأنيثاً.. فلاتقول مثلاً
” في أحد المرات ذهبت إلى كذا ”
إن كلمة أحد هنا تقف كالمقشة في أذن من يسمعها فالمرة مؤنثة وعلى هذا يكون الصحيح أن نقول” إحدى المرات”
ولاتكتب ” رأيت امرأة ذو جمال” أو هذا رجل ذات أخلاق كريمة”
أما همزات الوصل والقطع فحدث عنها ولاحرج مع أن مراقبتها والاشتغال عليها لتقويمها لن يكلفك كثيراً من الجهد .
أخطاء الكتابة كثيرة وهي تكون مقبولة حين لاتكون قواعدها مطروقة بكثرة تجعلها حاضرة في الذهن على الدوام ولكن حديثي هنا عن الأمور البسيطة التافهة التي يقع فيها مع ذلك من يضعون أمام أسمائهم ألقاباً مهمة ثم يتعجبون من انصراف القرّاء عمايكتبون .
—–

قد يعجبك ايضا
تعليقات