القاهرية
العالم بين يديك

عقلٌ وشهوةٌ

115

كتب/ حمادة توفيق
الإنسانُ مركبٌ من عقلٍ وشهوةٍ، قد يتغلّبُ عقلُهُ على شهوتهِ فيترقّى في عالمٍ ملائكيٍّ عذبٍ أخاذٍ، ليس له في رونقهِ مثيلٌ ولا في بهائهِ شبيهٌ، فيستحوزُ على قلوبِ المخالطينَ، بل ويستولي على أنظارِ الناظرينَ!
وقد تغلبُ شَهوتُهُ عقلَهُ، فيزِلُّ في مستنقعِ الرذائلِ والدنايا، فيستقبِحهُ المحيطونَ له أيّما استقباحٍ، ويستهجنونَ مَنهجَه، ويفِرُّونَ منه فرارَ السليمِ من المجذومِ.
وهذا التقسيمُ ليس بجديدٍ، فمن السلفِ من قسَّمَ الناسَ إلى طائفٍ حول العرشِ وطائفٍ حول الحشِّ (المستنقع)، وفي تقسيمه تحفيزٌ لأهلِ الاستقامةِ وتحذيرٌ للمنحرفينَ عن الجادّةِ.
لكنّ المستغربَ أن تستغربَ المعصيةَ من إنسانٍ للدرجةِ التي تجعلكَ تنفرُ منه وتقاطِعهُ وتؤلّبُ عليه كل من هبَّ ودبَّ.
نعم المعصيةُ بابٌ للشؤمِ وانقطاعِ الخيرِ وجلبِ المفاسدِ، لكنّ العاصي ليس شيطاناً، ربما يحتاجُ للتذكرةِ والموعظةِ فيهتدي ويؤوبُ على عَجَلٍ، لكن ليس من حقِّ أحدٍ أن يُشيطنَه.
وأنت كملتزمٍ عرضةٌ للضلالِ والانحرافِ، فأنت لست ملاكًا مقَرّبًا ولا نبيًّا مرسلًا، ولم ينصِّبك اللهُ – جلّ في علاه – بوابًا على جنته، تُدخِلُ من تشاءُ فيها وتمنعُ من تشاءُ.
تواضع فإنك لا تدري كيف يُختم لك، ألم تدري أن رجلًا قالَ لأخيه: والله لا يغفرُ اللهُ لك، فقال الملك: من ذا الذي يتألى على الله؟ قد غفرتُ له وأحبطتُّ عملك؟ ألم يقل النبيُّ عليه السلامُ: ما تواضعَ عبدٌ للهِ إلا زاده الله عزًا؟
الرفق، ثم الرفق، ثم الرفق، قال عليه السلامُ: الرفقُ ما كانَ في شيءٍ إلا زانه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانه.
صِلِ القاطع وتودد للفقير وتصدق على المعدمين وذكّر العصاة بالتؤدة واللين، وتذكر قول الله جلَّ في علاه:
(ولا تمشِ في الأرض مرحًا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولًا)، وقوله سبحانه: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).
والمقصود أننا لسنا ملائكة ولسنة شياطينًا، نحن بشر، فينا الخير والشر، فينا الظلمة والنور، فينا العقل والشهوة، والمطلوب الاعتدال والموازنة بين الاثنين ليس إلا، فإذا تغلبت الشهوة فلنعتدل فيها، وإذا تمكن العقل فلا يُنسينا نصيبنا من الدنيا، والوسطيةُ سنةَ الحياةِ، فلا إفراطٌ ولا تفريطٌ، والسلام ..

قد يعجبك ايضا
تعليقات