كتب د _ عيد على
أرهقني مدعي الكتابة الأدبية من ركاكة أسلوبهم وتجنيهم على فنون الأدب فهم لم يقرضوا الشعر يوما ولم يدرسوا بحوره مع تجردهم من الموهبة فأصبح الشعر والأدب في عصرنا الحاضر يتناوله من لا يفقه ألوانه ولا مدارسه ولا يلتزمون بوزن أو قافية بل ولا التفعيلة الشعرية ومنهم من لا يميز بين القصة القصيرة والرواية وقليل جدا من كتب في المسرحية والرسالة واتجه بعضهم إلى كتابة المقال الأدبي ولم يدرسوا فنونه ولا أنواعه وأطلق كل منهم على نفسه لقب شاعر أو أديب لذلك أردنا من خلال الأجزاء التالية تسليط الضوء على بعض النماذج الناجحة في هذا المجال حيث
قام الكثير ممن يسمون أنفسهم كتّابًا بإخراج نصوص تتشكل من جمل متناثرة لا رابط بينها ولا معنى لها وسمّوها قصصا قصيرة تروم بناءً حديثاً يسعى إلى التجاوز و خلخلة أنماط السرد التقليدي وزحزحة أفق انتظار القارئ. وعوض أن تجتذب هذه القصص القارئ وتستهويه حدث العكس، لأنها تفتقد تلك المتعة التي كانت توفرها كل أنواع السرد والتي تنهض أساسا على الحكاية ، صحيح أن الأجناس الأدبية في حاجة إلى التغيير والتطوير، لكن من غير أن تتلاشى المبادئ الأساس التي تكوّنها .
فالتجاوز يتم في إطار القواعد نفسها التي يقوم عليها كل جنس .
وقصة اليوم التي نسردها لكم أبدعت فيها الكاتبة من حيث حسن اختيار الألفاظ وعمق الفكرة ووضوح المعاني والبعد عن المحسنات البديعة المتكلفة حيث وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي والآن مع القصة القصيرة التي نحن بصددها للكاتبة سارة الحضرمي تحت عنوان حياة مغتصبة
توقفت سيارة الشرطة وخرج من الخلف شرطيان يجران رجلا خمسينيا مكبلا بينما نزلت فتاة من المقعد الأمامي للسيارة، تبدو شاحبة الوجه في العشرينات من عمرها، اقتادت الشرطة الرجل المكبل نحو المخفر بينما تبعتهم الفتاة حاسرة الرأس دامعة العينين.
كان المخفر يعج بالحركة، كل المكاتب ممتلئة بالقضايا وأناس إما يشتكون أومشتكى بهم أو غير ذلك من لصوص تم القبض عليهم ينتظرون تحرير المحضر والتوجه بهم نحو زنزانة المخفر، لأول مرة تدخل مريم هذا المكان، كان جسدها يرتعد ولم تتوقف من البكاء، اقترب منها الضابط المكلف بقضيتها وربت على كتفها وقال:
– ما حصل قد حصل بنيتي، إرفقي بنفسك.
جلست مريم في إحدى أركان القاعة وأجلس الشرطي الرجل الآخر في زاوية بعيدة عنها وتعمد أن يوجهه نحو الحائط بحيث لا تقع عينه على مريم أو بالأحرى على فريسته..
وصل كاتب المحضر وجلس بالمكتب المقابل لمريم وشغل الحاسوب أمامه وطرح أول سؤال على مريم:
ما اسم أمك وأبيك!
أجابت مريم:
خديجة.. ولم يسمع بقية كلامها لاختلاطه بشهقاتها، ما جعلت الضابط يرجع للخلف قليلا مبتعدا عن لوحة المفاتيح ويوجه لها الخطاب:
إذهبي لتغسلي وجهك وهدئي من روعك يا ابنتي.
توجهت نحو الحمام بخطى متثاقلة تترنح كأنها أفرطت في الشراب.
عادت مريم لتحكي قصتها للضابط وتجيب عن أسئلته، فمريم فتاة مكافحة كانت تدرس وتشتغل صيفا كي تساعد أمها وتخفف عنها من نفقات دراستها، فأبوها الميت لم يترك لهم شيئا ولا أقارب لهم ولا معيل يساعدهم في هذه الحياة القاسية، قصدت إحدى الشركات بعد أن وجدت إعلانها على الأنترنت، كانت الشركة تطلب محررة تجيد برنامج “الوورد” وبرامج المكتبيات، قصدت عنوان الشركة فاستقبلها رجل عرف نفسه بمدير الشركة وشرح لها مهامها واتفقا على الراتب وكل شيء، خرجت مريم فرحة أنها حصلت على عمل أسرع من الصيف الماضي، وباتت ليلتها تحلم بهذا العمل.
في الصباح وجدت رسالة نصية من المدير يخبرها أنه أصبح متعبا ويطلب منها القدوم لمنزله لاستلام مفتاح مكتب الشركة وملفات تشتغل عليها، أرسل لها العنوان أيضا في الرسالة فتوجهت مريم دون أدنى تردد تسوقها نيتها الطيبة.
وصلت مريم شقة المدير وطرقت الباب ففتح الباب وهو بلباس النوم، حياها ورحب بها بالبيت، ترددت مريم في الدخول لأنها لم تطمئن بعد أن رأته بتلك الملابس، شعر هو بترددها فترك الباب مفتوحا وخاطبها:
أعتذر لأنني قمت من الفراش مباشرة، يمكنك انتظاري بالصالة، أضع علي ملابسي وأشرح لك العمل الذي يجب أن ينجز اليوم.
قال هذا الكلام وهو يختفي بإحدى غرف الشقة، أحست مريم ببعض الاطمئنان ودخلت الصالة تنتظر المدير ليعطيها أول عمل لها بالشركة، وثقت بهذا الشخص الذي عرفته للتو لأنها لا تملك إلا أن تثق به للحصول على هذا العمل، أما هو فسرعان ما خرج من غرفته، لكن بدل أن يضع عليه ملابس تليق محترمة فإنه نزع كل ملابسه، كان عاريا كما ولدته أمه، تجمدت مريم في مكانها لما وقع نظرها عليه، لم تستطع قول شيء أو فعل أي شيء، تقدم نحوها وهو يبتسم ابتسامة تنضح بالشر، أدركت مريم متأخرة خطر اللحظة فاتجهت مسرعة نحو الباب إلا أنه كان قد أدركها وأمسك بيدها، حاولت التخلص منه وهي تتفادى أن تلمس جسده العاري لكن بدون جدوى، اقتادها بالقوة إلى غرفة النوم ولو أنه كان يحاول بكلماته أن يطمئنها، كان يحاول أن ينال مراده برغبتها عارضا عليها أجرة الشهر أو أكثر مقابل أن تعطيه ما يريد ومريم لا تكف عن الصراخ، اضطر هذا الوحش بصورة آدمي أن يضع طرف قماش بفمها حتى لا يسمع الجيران صراخها، قيدها بحبل كان بجانب الفراش فأدركت مريم بعد أن رأت الحبل أن هذا الوحش أعد الخطة مسبقا، وأنها كانت ضحية إفراطها في الثقة بالبشر، لكن إدراكها لم ينفعها بشيء، بدأ بنزع ملابسها ببطء وتلذذ غير عابئ بملامح الذعر والغضب المرتسمة على وجه مريم، نزع ملابسها الداخلية بالقوة وهي تقاوم دون جدوى، أدارها على بطنها وأحكم قبضتيه عليها وشرع في اغتصابها…
كان يستمتع بما يقوم به في حين كانت مريم تحاول الصراخ فلا تستطيع إلى ذلك سبيلا، لقد اكتفت بالأنين، تئن وتذرف الدموع، وفي لحظة من لحظات اغتصابه لها حاولت مريم أن تستجمع قواها وتنظر في محيط الفراش، كان هذا الوحش غارقا في لذته، أدارت رأسها للجهة اليسرى فلمحت هاتفها فوق الفراش، لا تدري كيف لم ينتبه له حين سقط من ملابسها وهو ينتزعها انتزاعا، مدت يدها للهاتف وفتحت القفل وضغطت للاتصال بصديقة لها.
كانت لدى مريم صديقة إسمها سعاد، كانت تشاركها كل حياتها، وكانت صديقتها تمازحها وتقول: أنت وجه نحس، إذا ولجت عتبة أفسدتها، كان الأمر مجرد مزاح، وفي هذا الصباح لما توصلت مريم برسالة المدير أرسلت صورة منها لصديقتها سعاد وهي تضحك معلقة:
العتبة التي أدخلها أفسدها، حصلت على العمل البارحة، اليوم أصبح المدير مريضا.
مريم لن تستطيع الكلام، ضغطت للاتصال بصديقتها سعاد وتركت الهاتف فوق الفراش آملة أن تسمع صديقتها أنينها، لما فتحت سعاد الخط لم تسمع شيئا فظنت أنها مكالمة خاطئة من مريم، وذلك حدث من قبل، وهمت بأن تقفل الخط غير أنها في جزء من الثانية سمعت آه شخص بالغ فأعادت الهاتف لأذنها وحاولت أن تسمع جيدا وهي تغلق أذنها الأخرى بسبابتها فسمعت صوت مواقعة رجل لامرأة، كان صوته واضحا، ثم سمعت أنين مريم، كانت متأكدة أنه أنينها فهي صديقتها التي لا تفارقها وتعرف عنها الكثير، لن يخفى عنها أنينها وهي التي بكت أمامها كثيرا وضحكت وتقلبت في حالاتها كلها، اقشعر بدنها ولم تدر ما تفعله، اتصلت بخالها عماد ضابط الشرطة وهي لا تدري ما تقوله، ولا هو فهم منها شيئا سوى إدراكه أن مريم في خطر ما، سألها عن مكانها وأخبرته أنها بالبيت، لقد كان قريبا شيئا ما بإحدى الدوريات فمر عليها ليجدها بالخارج تنتظر، أظهرت له الصورة التي أرسلت لها مريم وأيضا أخبرته عن المكالمة الغريبة التي تلقتها من صديقتها، أدرك خالها ما يحصل فأخذ الصورة التي تضم عنوان بيت المدير واتجه بالسيارة مسرعا بعد أن شغل صافرة الإنذار.
في الجهة الأخرى كان الوحش قد وصل لذروته، وألقى جسده المنهك على جسد مريم وهي لا تحرك ساكنا كان مستمتعا ببقائه فوق هذا الجسد الصغير غير آبه بما يعانيه، كان قد أغمي على مريم لكنه لم يلحظ شيئا واعتقد أنه استسلام المنهزم، بعد دقائق معدودة قام للحمام دون أن يلتفت خلفه، وكأنه لم يرتكب جريمة لتوه، تركها مقيدة إلى فراش النوم والدم يغطي مساحة من الفراش، في هذه اللحظة كانت الشرطة قد وصلت إلى الشقة واقتحمتها لتجد مريم مقيدة عارية فوق السرير وتجد الوحش يستحم بالحمام دون أن يسمع شيئا عن اقتحام الشرطة لشقته.
قامت شرطية بتغطية جسد مريم ورشت عليها بعض الماء حتى استفاقت، وتم اعتقال هذا الوحش بتهمة الإغتصاب.
لكن ما علاقته بمريم!
المعلومة
الحق أقول أنه ليس من اليسير كتابة قصة قصيرة في زمننا هذا حيث أثبتت التجارب أن العديد من الكتاب استهلوا حياتهم الأدبية بفن القصة القصيرة
ونستشهد بذلك برؤية أحد النقاد أن العديد من كتاب القصة القصيرة استحوذ عليهم الفشل وضاقت بهم السبل فتحولوا إلى الرواية والشعر أو ممارسة النقد. ولعل نجيب محفوظ في مصر وإدريس الناقوري ونجيب العوفي في المغرب خير مثال على ذلك ورغم ذلك نجد بعض الكتاب امتطوا صهوة التحدي وأصروا على سبر أغوار هذا الفن واقتحام أدغاله مؤثرين المعاناة والمكابدة على السير في طريق معبدة.
وفى قصتنا هذه نجد الكاتبة استخدمت عبارات شديدة الإيجاز لكنها تحمل من غنى الدلالة وقوة المعنى ما ينطق صراحة بنضج القصة واستواءها فنيا وبتنوع واتساع ثقافة صاحبتها ويكفي أن أقلية متميزة بدأت تكتب القصة القصيرة بمفهومها الأحدث وقد تحولت كتابة القصة عند هؤلاء من هواية إلى رغبة عميقة وإلى محاولة تتجاوز السائد في هذا الفن ليس على الواقع المحلى وإنما على المستوى العربي أيضا
أن القصة القصيرة هي قصيدة العصر الحديث وأنها استطاعت بما امتلكه كتابها من موهبة وثقافة واسعة أن يأخذوا أجمل ما في الشعر وهو اللغة وأجمل ما في القصة وهي الحكاية ويخرجوا إلى القارئ بهذا المزيج البديع الذي يسمى بالقصة القصيرة المعاصرة.”
نجح في تجاوز تقنيات الوصفة والمعايير وتجاوز مستوى الانتماء التصنيفي وخص نفسه بخطاب وصنعة تلفّظ منفردة من خلال علاقة تحويل لا علاقة استنساخ.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية