رانيا ضيف
يبدو لى العالم الآن ؛ وكأن غازى عملاق هاجم الناس بين عشية وضحاها، ولم تجدِ معه كل محاولات المقاومة، فالتف حولهم وحبسهم فى سجن صغير .
وعندما باءت كل محاولات الخلاص بالفشل استسلموا واستكانوا ويئسوا، ثم اعتادوا و تأقلموا، ثم أحبواسجنهم بل ودافعوا عنه !
كان يحيا الناس فى مجموعات، وحولهم العائلات والأهل والجيران نسيج واحد متشارك فى الأفراح والأتراح، وأحيانا فى الخطط والأهداف .
كانت تحويهم جدران بيوتهم الصغيرة، وترويهم دفء ومحبة وسلام وأمان .
غرف متقاربة، مثل القلوب، ومشاعر متدفقة أنهارا، مثل تلك المياه التى تروى أراضيهم؛ فتطرح رزقا كثيرامباركا .
أصبح العالم الآن سجينا للشاشات والموجات والتكنولوجيا، ينفصل كل منا بحواسه عن الدنيا والنَّاسالمحيطين وحتى عن نفسه فأصبحنا مع الوقت غرباء .
لا نعرف أنفسنا ولا نعرف أهلنا وأحبابنا،
لا نشعر بألم الآخر، وربما لم نلحظه من الأساس، باتت قلوبنا وحيدة وهى محاطة بالكثير من الناس،وباتت مشاعرنا سجينة فلا مُستقبِل ولا وقت .
اغتربنا عن أنفسنا، وباتت أكبر أمانينا جلسة محبة ومودة وسؤال من القلب .
سئمنا المجاملات الخالية من الروح والصدق، واشتقنا للمسة طمأنينة، يمسح بها أحدهم على قلوبنا قائلا: لا تخف أنا معك وبجوارك .
تحولنا لآلات تؤدى ما عليها من مهام لتعود آخر الليل تبكى وحدتها وغربتها وتلعن الدنيا وتراها مكاناموحشا بلا رحمة وبلا عدل.
صرنا لا نستيقظ إلا بفواجع وفقدان من نحب ومن نصادق،
صرنا لا نتذكر أننا لازلنا أحياء إلا عندما يهز الموت أركان ذلك السجن ويختطف أحد الجالسين بيننا فى ذهول منا، ووجع وتأنيب ضمير سببه الإهمال والنسيان وعدم الاكتراث لمن كان بيننا .
فنجتر الذكريات معه لنهون بها على أنفسنا، وربما لنخدعها فلا تفيق من الغيبوبة فتتحسر وتندم حيث لاينفع الندم .
تخلينا عن المحبة والصحبة والقلوب النقية والدعم، واستبدلناهم بجهاز نبث عليه أحلامنا التائهة،وحكاياتنا المملة، ومظاهرنا المزيفة، فخسرنا ولازلنا نعانى، فنفيق لوهلة ثم نعود لسُكرنا المعهود .