القاهرية
العالم بين يديك

التحرش الجنسى بين الطب والعرف المجتمعى ورجال الدين

119

بقلم / رانيا ضيف

قام الكثير من الباحثين والدارسين بالعديد من الدراسات للوقوف على تعريف التحرش ومن هو المتحرش، وما هو سلوكه؟ وما هى أسباب التحرش الجنسى ؟!ولماذا انتشرت هذه الظاهرة المدمرة والمسيئة؛ وكيف نواجهها بطرق رادعة ؟!
فتوصلوا إلى الآتى :
أن التحرش الجنسى هو اضطراب سلوكى ويدعمه خلل مجتمعى، فأصبح آفة ومرض عضال انتشر فى مجتمعاتنا ..
ولكن؛ لماذا يصر المتحرش على هذا الفعل رغم كونه ضد كل الأديان والقيم والأعراف ؟!
وما الذى تعكسه هذه الظاهرة والتى تتكثف الجهود من أجل قمعها ؟
توصلت الأبحاث إلى أن المتحرش إنسان ذو سلوك مضطرب بصرف النظر عن عمره أو مستواه الاجتماعى أو الثقافى، وأنه شخص مدرك لأفعاله، ولكنه يعانى خللا نفسيا يجعله يتصرف بعنف تجاه الآخرين !
أى هو نوع من أنواع العنف والعدوان .
وقد قام الباحثين على دراسة الأسباب التى أدت لذلك الخلل فوجدوا أنها أسباب بيولوجية
مثل ارتفاع معدلات التلوث البيئى والزحام ما يسبب ميلا إلى العنف .
كما أن هناك أسباب أخرى مثل:
-أسباب نفسية؛ فقد يكون المتحرش مصابا بأحد الأمراض النفسيه مثل التخلف العقلى أو التغييرات المرضية فى القشرة المخية والفصام ..
-واجتماعية مثل التفكك الأسرى، وغياب دور الأسرة فى التربية وعدم مراقبة سلوكيات الأبناء، وإهمالها لغرس القيم والأخلاق والمبادىء،
وعدم اهتمامها بتعزيز الوازع الدينى .
-وأسباب سياسية مثل القمع أوالحرمان من الاحتياجات الأساسية .
-مشاهدة الأفلام الإباحية والتى تؤجج الغريزة الجنسية وتحولها لبركان يلغى الوعى العقلى للشخص .
-تعاطى الكحول والمخدرات، وهى أيضا تغيب العقل وتلغيه، وتجعل الإنسان غير واعى .

وعندما تتضافر هذه العوامل مع غياب الضمير والوعى المجتمعى يصبح سلوك الشخص مائلا لكل أنواع العنف بشكل عام ومنها التحرش
إذا فالمتحرش مجرم ..
ولكن ما الذى يحققه التحرش لهذا الشخص المضطرب ؟!
هذا الفعل المشين يُشعر المعتدى بلذة وقتية ليس لأنه لمس جسد أنثى فقط، بل من فكرة التعدى والقمع والشعور بالتفوق على من لا حيلة له، فكلما انزعجت الضحية وتأذت، وشعرت بالإهانة والدونية والخوف، كلما شعر المتحرش باللذة!
الجدير بالذكر أن تناول بعض المنتمين لمجال الدعوة والوعاظ والمشايخ جاء متنافرا مع الدراسات العلمية، ونظريات الطب النفسى،
حيث ألقى بعض الشيوخ اللوم على الضحية بسبب ملابسها الغير محتشمة من وجهة نظرهم، والتى حتما استفزت المتحرش !
دون اعتبار لما قاله الطب فى هذا الصدد، ودون اعتبار لإحصائيات سابقة أقرت بأن أكثر الدول التى تعانى فيها المرأة من التحرش كانت فى الدول التى تُلزم المرأة بملابس شرعية من عباءة ونقاب!
ودون النظر لإحصائيات تؤكد بأن الانتهاكات التى تعرضت لها المحجبات والمنتقبات؛ كانت تفوق بمراحل الانتهاكات التى تعرضن لها غير المحجبات !
ودون النظر لاعترافات السيدات الصادمة بأنهن تعرضن للتحرش أثناء تأدية مناسك العمرة؛ أى فى أطهر بقاع الأرض !
ولكن هذا دأب الكثيرين من الفقهاء والشيوخ؛ إلصاق التهم بالمرأة فهى المدانة دائما وأبدًا،
والذى بالطبع أصبح عُرفا مجتمعيا فيما بعد،
فعندما تتعرض المرأة للتحرش تجد أصابع الاتهام تتجه مباشرة إليها!
وفى مواقف أخرى تجد من يطالبونها بأن لا تتحدث وأن تمرر الأمر مرور الكرام وكأن شيئا لم يكن، حفاظا على سمعتها وكأنها من أخطأ ووُصِم بالعار !
وكأن الطبيعى أن ينجو الفاعل بفعلته وتعانى السيدات من أثر ذلك الانتهاك لباقى العمر !
فازداد الأمر سوءا وتفاقما، وانتشر هؤلاء المجرمين بيننا، فكان لِزاما على الدولة تصحيح الأوضاع، فخرج الأزهر ببيان يُحسب له فكان كافيا وشافيا، ودحر كل أقوال من ينتهجون فِكر الجاهلية بإسقاط كل الرزايا والبلايا على المرأة،
فجرم فيه فعل المتحرش، نافيا أى مبررات لهذا الفعل الإجرامي الشاذ، فكان ردا مفحما على بعض من تصدر المشهد الدعوى من المشايخ ليعطى السيدات محاضرات فى الاحتشام !

وثانى موقف إيجابى من الدولة، أنها أعلنت عن مناقشة قانون يسمح للسيدات اللاتي وقعن فريسة للتحرش بأن يرفعن قضايا ضد المتحرشين وتكون هذه القضايا محاطة بسرية تامة للخصوصية، حتى تشجع النساء على المطالبة بحقوقهن، دون الخوف من مقصلة المجتمع وإدانة الناس لهن .
أدركت الدولة أن تلك الظاهرة لن تنتهى أو تقل إلا بتطبيق القانون بشكل قوى ورادع، فشجعت السيدات بهذه الخطوة غير المسبوقة ليتسنى معاقبة الجانى، فيكون عبرة لكل من تسول له نفسه ويفكر مجرد تفكير فى انتهاك حرمات نسائنا .

قد يعجبك ايضا
تعليقات