القاهرية
العالم بين يديك

بين فكى الرحى

143

رانيا ضيف

فى تأملات لأحوال أمتنا العربية والإسلامية، والتى لا يخفى حالها على أحد،
نجد حروب واقتتال فيما بيننا، تراجع فكرى وعلمى فى شتى المجالات، واندثر إنتاج الفكر وتضاءل وتراجع الفن والأدب، وصرنا نستدعى إنجازات الماضى لنواسى بها أنفسنا، وربما هروبا من أن نواجه أنفسنا بالواقع المرير ..
ما الذى دفع بِنَا لهذه الهوة السحيقة ويُفترض أننا نمتلك الحقيقة والإيمان واليقين كما يدعى بعضنا ؟!
وبالتالى يُفترض أن نكون أكثر أهل الأرض سعادة ونجاحا وتأثيرا،إذا ما الذى يحدث ؟!

فى الواقع كل تلك الأفكار ما هى إلا مبلغ علمنا الطفولى مقارنة بعلوم العالم وفلسفاتهم، ورؤاهم .
نحن اتخذنا من الدين مطية ليتولى عنا الإله النجاح فى الدنيا والفوز بالآخرة،وكأن الله يُحابى الجهلاء !
المنهج الذى نزل ليرشدنا للتفكر، والتدبر،والتأمل كى نكتشف قوانين العالم التى وضعها الله فى كونه،و نتعرف على الأمم والثقافات والشعوب، فتتسع رؤانا وننفتح على العالم ونشارك فى نهضة العالم، قد تحول لأداة يمارس بها بعضنا التسلط والقهر على غيره !
فطالما آثر الجهلاء والمتشددون والمنتفعون لنا الخيار الأسوأ دائما!

وما بين المتشددين بأفكارهم البالية، وعنصريتهم الفجة، أولئك الذين يحتكرون الدين والدنيا، ويحكمون على العباد ومصائرهم، ويكرهون، ويعادون، ويكفرون وينكلون بكل من يحاول الخروج من بوتقة أفكارهم بحثا عن الحرية والمحبة..

وبين التائهين فى الدنيا لاينتمون لا إلى أرض ،ولا دين، ولا شئ سوى مصالحهم الشخصية، ومنافعهم البغيضة الرخيصة،
ويتاجرون بكل شئ للوصول لغاياتهم الدنيئة ؛ يوجد وطن جريح، وأعراض تستباح، وسب وقذف، وغلظة وكراهية، وإرهاب فكرى ودينى ..
يوجد أناس اقتنعوا أنهم أوصياء على الخلق، يحملون أختام الجنة، وصكوك الغفران،
فحملوا راية قناعاتهم، وأقوال مشايخهم وسادتهم، وكبرائهم، وفرضوها فرضا على كل من سولت له نفسه وعاش حرية البحث والتحري والتحقق !
فعاش يحترم عقله، ويربأ بدين الله عن مستنقعات الكراهية، والغلظة، والفظاعة والجهل ..
فلا ترى هؤلاء سباقين فى علوم الدنيا، وكأن الله خلقنا لنعكف على حفظ كلامه فنردده كالمذياع، دون تدبر وتأمل، بل وقاموا بلى عنق الآيات كى تناسب أيدلوجياتهم ..
لا تدعوا هؤلاء يقيدوكم، ويطمسون أضواء عقولكم، لا تدعوهم يرهبونكم وكأنهم يتحدثون من على مقاعد فى الجنة لمن اتخذوا مقاعدهم فى النار !

نحن نعيش الجنون ذاته، ولكن ما يجعلنا نطمئن، أن هناك بذرة ممن لازال لديهم فطرة سليمة، وعقل راجح، وقلب عاشق لله ورسوله، فيعلم أن الدين منهج محبة، وإنسانية، وكرامة وتفكر وتعارف وبناء وإعمار فى الأرض ..
فقال تعالى :
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ”

إذا فلكى نخرج من متاهات الظلام والجهل التى غرقنا فيها لقرون عدة،لابد أن ننتزع إنسانيتنا من هؤلاء المتشددين، وأن نلحق بركب العلم، فنهتم بالبحث العلمى، ونمنح العلم والعلماء قدرهم، ونهتم كذلك بالفن الجيد الهادف،والأدب، فمن لم يرتقِ حسه ويتذوق شتى ألوان الفنون لا تنتظر منه نهضة وارتقاء، فهو معتل الذوق، متبلد الحس لا يُرجى منه حياة ..

دعونا نواجه الإرهاب والكراهية بالسلام والحب دعونا نواجه الجهل بالعلم وأبحاثه ونظرياته
دعونا نواجه التسلط بالتحليق فى سماء الحرية
دعونا نواجه غلظة المشاعر بالشعر والموسيقى
دعونا نحقق استخلافنا الحقيقى فى الأرض فننشر الجمال والمحبة والنفع .

قد يعجبك ايضا
تعليقات